للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَبو عُبَيْدٍ فِي قَوْلُ

عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا تَصَعَّدَني شيءٌ مَا تَصَعَّدَتْني خِطْبَةُ النِّكَاحِ

أَي مَا تكاءَدتْني وَمَا بَلَغَتْ مِنِّي وَمَا جَهَدَتْني، وأَصله مِنَ الصَّعُود، وَهِيَ الْعَقَبَةُ الشَّاقَّةُ. يُقَالُ: تَصَعَّدَهُ الأَمْرُ إِذا شَقَّ عَلَيْهِ وصَعُبَ؛ قِيلَ: إِنما تَصَعَّبُ عَلَيْهِ لِقُرْبِ الْوُجُوهِ مِنَ الْوُجُوهِ ونظَرِ بَعْضِهِمْ إِلى بَعْضٍ، ولأَنهم إِذا كَانَ جَالِسًا مَعَهُمْ كَانُوا نُظَراءَ وأَكْفاءً، وإِذا كَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَانُوا سُوقَةً وَرَعِيَّةً. والصَّعَدُ: الْمَشَقَّةُ. وَعَذَابٌ صَعَدٌ، بِالتَّحْرِيكِ، أَي شَدِيدٌ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً

؛ مَعْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعلم، عَذَابًا شَاقًّا أَي ذَا صَعَد ومَشَقَّة. وصَعَّدَ فِي الْجَبَلِ وَعَلَيْهِ وَعَلَى الدَّرَجَةِ: رَقِيَ، وَلَمْ يَعْرِفُوا فِيهِ صَعِدَ. وأَصْعَد فِي الأَرض أَو الْوَادِي لَا غَيْرُ: ذَهَبَ مِنْ حَيْثُ يَجِيءُ السَّيْلُ وَلَمْ يَذْهَبْ إِلى أَسفل الْوَادِي؛ فأَما مَا أَنشده سِيبَوَيْهِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنُ هَمَّامٍ السَّلُولِيُّ:

فإِمَّا تَرَيْني اليومَ مُزْجِي مَطِيَّتي، ... أُصَعِّدُ سَيْراً فِي البلادِ وأُفْرِعُ

فإِنما ذَهَبَ إِلى الصُّعود فِي الأَماكن العالية. وأُفْرِعُ هاهنا: أَنْحَدِرُ لأَنّ الإِفْراع مِنَ الأَضْداد، فَقَابَلَ التَّصَعُّدَ بالتَّسَفُّل؛ هَذَا قَوْلُ أَبي زَيْدٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِنما جَعَلَ أُصَعِّدُ بِمَعْنَى أَنحدر لِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْبَيْتِ وأُفرع، وَهَذَا الَّذِي حَمَلَ الأَخفشَ عَلَى اعْتِقَادِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لأَن الإِفراع مِنَ الأَضداد يَكُونُ بِمَعْنَى الِانْحِدَارِ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى الإِصعاد؛ وَكَذَلِكَ صَعَّدَ أَيضاً يَجِيءُ بِالْمَعْنَيَيْنِ. يُقَالُ: صَعَّدَ فِي الْجَبَلِ إِذا طَلَعَ وإِذا انْحَدَرَ مِنْهُ، فَمَنْ جَعَلَ قَوْلَهُ. أُصَعِّدُ فِي الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ بِمَعْنَى الإِصعاد كان قوله أُفْرِعُ بمعنى الِانْحِدَارِ، وَمَنْ جَعَلَهُ بِمَعْنَى الِانْحِدَارِ كَانَ قَوْلُهُ أُفرع بِمَعْنَى الإِصعاد؛ وَشَاهِدُ الإِفراع بمعنى الإِصعاد قَوْلُ الشَّاعِرِ:

إِني امْرُؤٌ مِن يَمانٍ حِينَ تَنْسُبُني، ... وَفِي أُمَيَّةَ إِفْراعِي وتَصْويبي

فالإِفراع هاهنا: الإِصعاد لِاقْتِرَانِهِ بِالتَّصْوِيبِ. قَالَ: وَحُكِيَ عَنْ أَبي زَيْدٍ أَنه قَالَ: أَصْعَدَ فِي الْجَبَلِ، وصَعَّدَ فِي الأَرض، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَعْنَى فِي الْبَيْتِ أُصَعِّدُ طَوْراً في الأَرض وطَوْراً أُفْرِعُ في الجبل، ويروى: [وإِذ مَا تُرِينِي الْيَوْمَ] وَكِلَاهُمَا مِنْ أَدوات الشَّرْطِ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ إِمَّا تَرَيْنِي فِي الْبَيْتِ الثَّانِي:

فَإِنيَ مِنْ قَوْمٍ سِواكُمْ، وإِنما ... رِجاليَ فَهْمٌ بِالْحِجَازِ وأَشْجَعُ

وإِنما انْتَسَبَ إِلى فَهْمٍ وأَشجع، وَهُوَ مِنْ سَلول بْنِ عَامِرٍ، لأَنهم كَانُوا كُلُّهُمْ مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ؛ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّمَّاخِ:

فإِنْ كَرِهْتَ هِجائي فاجْتَنِبْ سَخَطِي، ... لَا يَدْهَمَنَّكَ إِفْراعِي وتَصْعِيدِي

وَفِي الْحَدِيثِ فِي رَجَزٍ:

فَهُوَ يُنَمِّي صُعُداً

أَي يزيدُ صُعوداً وَارْتِفَاعًا. يُقَالُ: صَعِدَ إِليه وَفِيهِ وَعَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

فَصَعَّدَ فِيَّ النَّظَرَ وصَوَّبه

أَي نَظَرَ إِلى أَعلاي وأَسفلي يتأَملني. وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

كأَنما يَنْحَطُّ فِي صَعَد

؛ هَكَذَا جاءَ فِي رِوَايَةٍ يَعْنِي مَوْضِعًا عَالِيًا يَصْعَدُ فِيهِ وَيَنْحَطُّ، وَالْمَشْهُورُ: كأَنما يَنْحَطُّ فِي صَبَبٍ. والصُّعُدُ، بِضَمَّتَيْنِ: جَمْعُ صَعُود، وَهُوَ خِلَافُ الهَبُوط، وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ، خِلَافُ الصَّبَبِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: صَعِدَ فِي الْجَبَلِ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ

؛ وَقَدْ رَجَعَ أَبو زَيْدٍ إِلى ذَلِكَ فَقَالَ: اسْتَوْأَرَتِ الإِبلُ إِذا نَفَرَت

<<  <  ج: ص:  >  >>