وعَبِدَ عَلَيْهِ عَبَداً وعَبَدَةً فَهُوَ عابِدٌ وعَبدٌ: غَضِب؛ وَعَدَّاهُ الْفَرَزْدَقُ بِغَيْرِ حَرْفٍ فَقَالَ:
عَلَامَ يَعْبَدُني قَوْمي، وَقَدْ كَثُرَتْ ... فِيهِمْ أَباعِرُ، ما شاؤُوا، وعُبْدانُ [عِبْدانُ]؟
أَنشده يَعْقُوبُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى يُعْبِدُني؛ وَقِيلَ: عَبِدَ عَبَداً فَهُوَ عَبِدٌ وعابِدٌ: غَضِبَ وأَنِفَ، وَالِاسْمُ العَبَدَةُ. والعَبَدُ: طُولُ الْغَضَبِ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: عَبِد عَلَيْهِ وأَحِنَ عَلِيْهِ وأَمِدَ وأَبِدَ أَي غَضِبَ. وَقَالَ الغَنَوِيُّ: العَبَدُ الحُزْن والوَجْدُ؛ وَقِيلَ فِي قَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:
أُولئِكَ قَوْمٌ إِنْ هَجَوني هَجَوتُهم، ... وأَعْبَدُ أَن أَهْجُو كُلَيْباً بِدارِمِ
أَعبَدُ أَي آنَفُ؛ وَقَالَ ابْنُ أَحمر يَصِفُ الغَوَّاص:
فأَرْسَلَ نَفْسَهُ عَبَداً عَلَيها، ... وَكَانَ بنَفْسِه أَرِباً ضَنِينا
قِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ عَبَداً أَي أَنَفاً. يَقُولُ: أَنِفَ أَن تَفُوتَهُ الدُّرَّة. وَفِي التَّنْزِيلِ: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ
، ويُقْرأُ:
العَبِدينَ
؛ قَالَ اللَّيْثُ: العَبَدُ، بِالتَّحْرِيكِ، الأَنَفُ والغَضَبُ والحَمِيَّةُ مِنْ قَوْلٍ يُسْتَحْيا مِنْهُ ويُسْتَنْكَف، وَمَنْ قرأَ العَبِدِينَ فَهُوَ مَقْصُورٌ مِنْ عَبِدَ يَعْبَدُ فَهُوَ عَبِدٌ؛ وَقَالَ الأَزهري: هَذِهِ آيَةٌ مُشْكِلَةٌ وأَنا ذَاكِرُ أَقوال السَّلَفِ فِيهَا ثُمَّ أُتْبِعُها بِالَّذِي قَالَ أَهل اللُّغَةِ وأُخبر بأَصحها عَنْدِي؛ أَما الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ اللَّيْثُ فِي قراءَة الْعَبِدِينَ، فَهُوَ قَوْلُ أَبي عُبَيْدَةَ عَلَى أَني مَا عَلِمْتُ أَحداً قرأَ فأَنا أَول العَبِدين، وَلَوْ قرئَ مَقْصُورًا كَانَ مَا قَالَهُ أَبو عُبَيْدَةَ مُحْتَمَلًا، وإِذ لَمْ يقرأْ بِهِ قَارِئٌ مَشْهُورٌ لَمْ نعبأْ بِهِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي مَا رُوِيَ عَنِ
ابْنِ عْيَيْنَةَ أَنه سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: مَعْنَاهُ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فأَنا أَوّل الْعَابِدِينَ
، يَقُولُ: فَكَمَا أَني لَسْتُ أَول مَنْ عَبَدَ اللَّهَ فَكَذَلِكَ لَيْسَ لِلَّهِ وَلَدٌ؛ وَقَالَ السُّدِّيُّ: قَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ: قُلْ إِن كَانَ عَلَى الشَّرَطِ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ كَمَا تَقُولُونَ لَكُنْتُ أَوّل مَنْ يُطِيعُهُ وَيَعْبُدُهُ؛ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِن كَانَ مَا كَانَ وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ عَلَى مَعْنَى مَا كَانَ، فأَنا أَوّل الْعَابِدِينَ أَوّل مَنْ عَبْدَ اللَّهِ مَنْ هَذِهِ الأُمة؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: قَالَ بَعْضُهُمْ إِن كَانَ أَي مَا كَانَ لِلرَّحْمَنِ فأَنا أَول الْعَابِدِينَ أَي الْآنِفِينَ، رَجُلٌ عابدٌ وعَبِدٌ وآنِف وأَنِفٌ أَي الغِضاب الْآنِفِينَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، وَقَالَ فأَنا أَول الْجَاحِدِينَ لِمَا تَقُولُونَ، وَيُقَالُ أَنا أَوَّل مَنْ تَعبَّده عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ مُخالَفَةً لَكُمْ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقِيلَ لَهُ: أَنت أَمرت بِقَتْلِ عُثْمَانَ أَو أَعَنْتَ عَلَى قَتْلِهِ فَعَبِدَ وضَمِدَ
أَي غَضِبَ غَضَبَ أَنَفَةٍ؛ عَبِدَ، بِالْكَسْرِ، يَعْبَدُ عَبَداً، بِالتَّحْرِيكِ، فَهُوَ عابِدٌ وعَبِدٌ؛ وَفِي رِوَايَةٍ أُخرى عَنْ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، أَنه قَالَ: عَبِدْتُ فصَمَتُ
أَي أَنِفْتُ فسَكَتُّ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: مَا كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ، وَالْوَقْفُ عَلَى الْوَلَدِ ثُمَّ يَبْتَدِئُ: فأَنا أَوّل الْعَابِدِينَ لَهُ، عَلَى أَنه لَا وَلَدَ لَهُ وَالْوَقْفُ عَلَى الْعَابِدِينَ تَامٌّ. قَالَ الأَزهري: قَدْ ذَكَرْتُ الأَقوال وَفِيهِ قَوْلٌ أَحْسَنُ مِنْ جَمِيعِ مَا قَالُوا وأَسْوَغُ فِي اللُّغَةِ وأَبْعَدُ مِنَ الِاسْتِكْرَاهِ وأَسرع إِلى الْفَهْمِ. رُوِيَ عَنْ
مُجَاهِدٍ فِيهِ أَنه يَقُولُ: إِن كَانَ لِلَّهِ وَلَدٌ فِي قَوْلِكُمْ فأَنا أَوّل مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَكَذَّبَكُمْ بِمَا تَقُولُونَ
؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا وَاضِحٌ، وَمِمَّا يَزِيدُهُ وُضُوحًا أَن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لنبيِّه: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْكُفَّارِ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فِي زَعْمِكُمْ فأَنا أَوّل الْعَابِدِينَ إِلهَ الخَلْق أَجمعين الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وأَوّل المُوَحِّدِين لِلرَّبِّ الْخَاضِعِينَ