للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَيْنَهُمَا أَن الأَحد بُنِيَ لِنَفْيِ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنَ الْعَدَدِ، تَقُولُ مَا جاءَني أَحد، وَالْوَاحِدُ اسْمٌ بُنِيَ لِمُفْتَتَح الْعَدَدِ، تَقُولُ جَاءَنِي وَاحِدٌ مِنَ النَّاسِ، وَلَا تَقُولُ جَاءَنِي أَحد؛ فَالْوَاحِدُ مُنْفَرِدٌ بِالذَّاتِ فِي عَدَمِ الْمِثْلِ وَالنَّظِيرِ، والأَحد مُنْفَرِدٌ بِالْمَعْنَى؛ وَقِيلَ: الْوَاحِدُ هُوَ الَّذِي لَا يتجزأُ وَلَا يُثَنَّى وَلَا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ وَلَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا مِثْلَ وَلَا يَجْمَعُ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ إِلا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَثير: فِي أَسماء اللَّهِ تَعَالَى الْوَاحِدُ، قَالَ: هُوَ الْفَرْدُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَحْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ آخَرُ؛ قَالَ الأَزهري: وأَما اسْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَحد فإِنه لَا يُوصَفُ شَيْءٌ بالأَحدية غَيْرُهُ؛ لَا يُقَالُ: رَجُلٌ أَحَد وَلَا دِرْهَمٌ أَحَد كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ وحَدٌ أَي فَرْدٌ لأَن أَحداً صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي اسْتَخْلَصَهَا لِنَفْسِهِ وَلَا يَشْرَكُهُ فِيهَا شَيْءٌ؛ وَلَيْسَ كَقَوْلِكِ اللَّهُ وَاحِدٌ وَهَذَا شَيْءٌ وَاحِدٌ؛ وَلَا يُقَالُ شَيْءٌ أَحد وإِن كَانَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ قَالَ: إِن الأَصل فِي الأَحَد وحَد؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَالَ الْكِسَائِيُّ: مَا أَنت مِنَ الأَحد أَي مِنَ النَّاسِ؛ وأَنشد:

وَلَيْسَ يَطْلُبُني فِي أَمرِ غانِيَةٍ ... إِلا كَعَمرٍو، وَمَا عَمرٌو مِنَ الأَحَدِ

قَالَ: وَلَوْ قُلْتَ مَا هُوَ مِنَ الإِنسان، تُرِيدُ مَا هُوَ مِنَ النَّاسِ، أَصبت. وأَما قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ

؛ فإِن أَكثر الْقُرَّاءِ عَلَى تَنْوِينِ أَحد. وَقَدْ قرأَه بَعْضُهُمْ بِتَرْكِ التَّنْوِينِ وقرئَ بإِسكان الدَّالِ:

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدْ

، وأَجودها الرَّفْعُ بإِثبات التَّنْوِينِ فِي الْمُرُورِ وإِنما كُسِرَ التَّنْوِينُ لِسُكُونِهِ وَسُكُونِ اللَّامِ مِنَ اللَّهِ، وَمَنْ حَذَفَ التَّنْوِينَ فَلِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ أَيضاً. وأَما قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: هُوَ اللَّهُ، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ الْمَعْلُومِ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ؛ الْمَعْنَى: الَّذِي سأَلتم تَبْيِينَ نَسَبِهِ هُوَ اللَّهُ، وأَحد مَرْفُوعٌ عَلَى مَعْنَى هُوَ اللَّهُ أَحد، وَرُوِيَ فِي التَّفْسِيرِ:

أَن الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْسُبْ لَنَا ربَّك، فأَنزل اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ.

قَالَ الأَزهري: وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنّ لِلَّهِ نَسَباً انْتَسَبَ إِليه وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ نَفْيُ النَّسَبِ عَنِ اللهِ تَعَالَى الواحدِ، لأَن الأَنْسابَ إِنما تَكُونُ لِلْمَخْلُوقِينَ، وَاللَّهُ تَعَالَى صِفَتُهُ أَنه لَمْ يَلِدْ وَلَدًا يُنْسَبُ إِليه، وَلَمْ يُولَدْ فَيَنْتَسِبُ إِلى ولد، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ وَلَا يَكُونُ فَيُشَبَّهُ بِهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنِ افْتِرَاءِ الْمُفْتَرِينَ، وتقدَّس عَنْ إِلحادِ الْمُشْرِكِينَ، وَسُبْحَانَهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. قَالَ الأَزهري: وَالْوَاحِدُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، مَعْنَاهُ أَنه لَا ثَانِيَ لَهُ، وَيَجُوزُ أَن يُنْعَتَ الشَّيْءُ بأَنه وَاحِدٌ، فأَما أَحَد فَلَا يُنْعَتُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى لِخُلُوصِ هَذَا الِاسْمِ الشَّرِيفِ لَهُ، جَلَّ ثَنَاؤُهُ. وَتَقُولُ: أَحَّدْتُ اللَّهَ تَعَالَى ووحَّدْته، وَهُوَ الواحدُ الأَحَد. وَرُوِيَ عَنِ

النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ لِرَجُلٍ ذَكَرَ اللَّهَ وأَومَأَ بإِصْبَعَيْهِ فَقَالَ لَهُ: أَحِّدْ أَحِّدْ

أَي أَشِرْ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ: وأَما قَوْلُ النَّاسِ: تَوَحَّدَ اللَّهُ بالأَمر وَتَفَرَّدَ، فإِنه وإِن كَانَ صَحِيحًا فإِني لَا أُحِبُّ أَن أَلْفِظَ بِهِ فِي صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَعْنَى إِلا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي التَّنْزِيلِ أَو فِي السُّنَّة، وَلَمْ أَجد المُتَوَحِّدَ فِي صِفَاتِهِ وَلَا المُتَفَرِّدَ، وإِنما نَنْتَهِي فِي صِفَاتِهِ إِلى مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا نُجاوِزُه إِلى غَيْرِهِ لمَجَازه فِي الْعَرَبِيَّةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ بالوَحْدانيَّةِ لأَحَدٍ غَيْرِهِ، شَرُّ أُمَّتي الوَحْدانيُّ المُعْجِبُ بِدِينِهِ المُرائي بعَمَلِه

، يُرِيدُ بالوحْدانيِّ المُفارِقَ لِلْجَمَاعَةِ المُنْفَرِدَ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلى الوَحْدةِ والانفرادِ، بِزِيَادَةِ الأَلف وَالنُّونِ لِلْمُبَالَغَةِ. والمِيحادُ: مِنَ الواحدِ كالمِعْشارِ، وَهُوَ جُزْءٌ وَاحِدٌ كَمَا أَن المِعْشارَ عُشْرٌ، والمَواحِيدُ جَمَاعَةُ المِيحادِ؛ لَوْ رأَيت أَكَماتٍ مُنْفَرِداتٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ بَائِنَةٌ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>