السَّاكِنَيْنِ إِتباعاً لِضَمَّةِ الْمِيمِ، فَهَذَا عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ الأَصل الأَوّل؛ قَالَ: فأَما ضَمُّ ذَالِ مُنْذُ فإِنما هُوَ فِي الرُّتْبَةِ بَعْدَ سُكُونِهَا الأَوّل الْمُقَدَّرِ، وَيَدُلُّكَ عَلَى أَن حَرَكَتَهَا إِنما هِيَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، أَنه لَمَّا زَالَ الْتِقَاؤُهُمَا سُكِّنَتِ الذَّالُ، فضمُّ الذَّالِ إِذاً فِي قَوْلِهِمْ مُذُ الْيَوْمِ وَمُذُ اللَّيْلَةِ، إِنما هُوَ رَدٌّ إِلى الأَصل الأَقرب الَّذِي هُوَ مُنْذُ دُونِ الأَصل، إِلا بَعْدَ الَّذِي هُوَ سُكُونُ الذَّالِ فِي مُنْذُ قَبْلَ أَن تُحَرَّكَ فِيمَا بَعْدُ؛ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْعَرَبُ فِي مُذْ وَمُنْذُ: فَبَعْضُهُمْ يَخْفِضُ بِمُذْ مَا مَضَى وَمَا لَمْ يَمْضِ، وَبَعْضُهُمْ يَرْفَعُ بِمُنْذُ مَا مَضَى وَمَا لَمْ يَمْضِ. وَالْكَلَامُ أَن يُخْفَضَ بِمُذْ مَا لَمْ يَمْضِ وَيُرْفَعَ مَا مَضَى، وَيُخْفَضُ بِمُنْذُ مَا لَمْ يَمْضِ وَمَا مَضَى، وَهُوَ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَجمعت الْعَرَبُ عَلَى ضَمِّ الذَّالِ مِنْ مُنْذُ إِذا كَانَ بَعْدَهَا مُتَحَرِّكٌ أَو سَاكِنٌ كَقَوْلِكَ لَمْ أَره مُنْذُ يَوْمٍ وَمُنْذُ الْيَوْمِ، وَعَلَى إِسكان مُذْ إِذا كَانَ بَعْدَهَا مُتَحَرِّكٌ، وَتَحْرِيكُهَا بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ إِذا كَانَتْ بَعْدَهَا أَلف وَصْلٍ، وَمَثَّلَهُ الأَزهري فَقَالَ: كَقَوْلِكَ لَمْ أَره مُذُ يَوْمَانِ وَلَمْ أَره مُذُ الْيَوْمِ. وَسُئِلَ بَعْضُ الْعَرَبِ: لِمَ خَفَضُوا بِمُنْذُ وَرَفَعُوا بِمُذْ فَقَالَ: لأَن مُنْذُ كَانَتْ فِي الأَصل مِنْ إِذ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْكَلَامِ فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ وَضُمَّتِ الْمِيمُ، وَخَفَضُوا بِهَا عَلَى عِلَّةِ الأَصل، قَالَ: وأَما مُذْ فإِنهم لَمَّا حَذَفُوا مِنْهَا النُّونَ ذَهَبَتِ الْآلَةُ الْخَافِضَةُ وَضَمُّوا الْمِيمَ مِنْهَا لِيَكُونَ أَمتن لَهَا، وَرَفَعُوا بِهَا مَا مَضَى مَعَ سُكُونِ الذَّالِ لِيُفَرِّقُوا بِهَا بَيْنَ مَا مَضَى وَبَيْنَ مَا لَمْ يَمْضِ؛ الْجَوْهَرِيُّ: مُنْذُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ، وَمُذْ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصْلُحُ أَن يَكُونَ حَرْفَ جَرٍّ فَتَجُرَّ مَا بَعْدَهُمَا وَتُجْرِيهِمَا مَجْرَى فِي، وَلَا تُدْخِلْهُمَا حِينَئِذٍ إِلا عَلَى زَمَانٍ أَنت فِيهِ، فَتَقُولُ: مَا رأَيته مُنْذُ اللَّيْلَةِ، وَيَصْلُحُ أَن يَكُونَا اسْمَيْنِ فَتَرْفَعُ مَا بَعْدَهُمَا عَلَى التَّارِيخِ أَو عَلَى التَّوْقِيتِ، وَتَقُولُ فِي التَّارِيخِ: مَا رأَيته مُذْ يومُ الْجُمْعَةِ، وَتَقُولُ فِي التَّوْقِيتِ: مَا رأَيته مُذْ سنةٌ أَي أَمد ذَلِكَ سَنَةٌ، وَلَا يَقَعُ هَاهُنَا إِلا نَكِرَةً، فَلَا تَقُولُ مُذْ سنةُ كَذَا، وإِنما تَقُولُ مُذْ سنةٌ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: مُنْذُ لِلزَّمَانِ نَظِيرُهُ مِنْ لِلْمَكَانِ، وَنَاسٌ يَقُولُونَ إِن مُنْذُ فِي الأَصل كَلِمَتَانِ [مِنْ إِذ] جُعِلَتَا وَاحِدَةً، قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ. ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَبَنُو عُبَيْدٍ مِنْ غَنِيٍّ يُحَرِّكُونَ الذَّالَ مِنْ مُنْذُ عِنْدِ الْمُتَحَرِّكِ وَالسَّاكِنِ، وَيَرْفَعُونَ مَا بَعْدَهَا فَيَقُولُونَ: مذُ اليومُ، وَبَعْضُهُمْ يَكْسِرُ عِنْدَ السَّاكِنِ فَيَقُولُ مذِ اليومُ. قَالَ: وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ. قَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: وَوَجْهُ جَوَازِ هَذَا عِنْدِي عَلَى ضَعْفِهِ أَنه شبَّه ذَالَ مُذْ بِدَالِ قَدْ وَلَامِ هَلْ فَكَسَرَهَا حِينَ احْتَاجَ إِلى ذَلِكَ كَمَا كَسَرَ لَامَ هَلْ وَدَالَ قَدْ. وَحُكِيَ عَنْ بَنِي سُلَيْمٍ: مَا رأَيته مِنذ سِتٌّ، بِكَسْرِ الْمِيمِ وَرَفْعِ مَا بَعْدَهُ. وَحُكِيَ عَنْ عَكْلٍ: مِذُ يَوْمَانِ، بِطَرْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَضَمِّ الذَّالِ. وَقَالَ بَنُو ضَبَّةَ: وَالرَّبَابُ يَخْفِضُونَ بِمُذْ كُلَّ شَيْءٍ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَما مُذْ فَيَكُونُ ابْتِدَاءَ غَايَةِ الأَيام والأَحيان كَمَا كَانَتْ مِنْ فِيمَا ذَكَرْتُ لَكَ وَلَا تَدْخُلُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبَتِهَا، وَذَلِكَ قَوْلُكَ: مَا لَقِيتُهُ مُذْ يَوْمَ الْجُمْعَةِ إِلى الْيَوْمِ، وَمُذْ غدوةَ إِلى السَّاعَةِ، وَمَا لَقِيتُهُ مُذِ اليومِ إِلى سَاعَتِكَ هَذِهِ، فَجَعَلْتَ الْيَوْمَ أَول غَايَتِكَ وأَجْرَيْتَ فِي بَابِهَا كَمَا جَرَتْ مِنْ حَيْثُ قُلْتَ: مِنْ مَكَانِ كَذَا إِلى مَكَانِ كَذَا؛ وَتَقُولُ: مَا رأَيته مُذْ يَوْمَيْنِ فَجَعَلْتَهُ غَايَةً كَمَا قُلْتَ: أَخذته مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَجَعَلْتَهُ غَايَةً وَلَمْ تُرِدْ مُنْتَهًى؛ هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: قَدْ تُحْذَفُ النُّونُ مِنَ الأَسماء عَيْنًا فِي قَوْلِهِمْ مُذْ وأَصله مُنْذُ، وَلَوْ صَغَّرْتَ مُذِ اسْمَ رَجُلٍ لَقُلْتَ مُنَيْذ، فَرَدَدْتَ النُّونَ الْمَحْذُوفَةَ لِيَصِحَّ لَكَ وَزَنُ فُعَيْل. التَّهْذِيبُ: وَفِي مُذْ وَمُنْذُ لُغَاتٌ شَاذَّةٌ تَكَلَّمَ بِهَا الخَطِيئَة مِنْ أَحياء الْعَرَبِ فَلَا يعبأُ بِهَا، وإِن جُمْهُورَ الْعَرَبِ عَلَى مَا بُيِّنَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute