حَدِيثُ
أَبي مُوسَى حِينَ أَقبلت الْفِتْنَةُ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ إِن هَذِهِ الْفِتْنَةَ بَاقِرَةٌ كَدَاءِ الْبَطْنِ لَا يُدْرَى أَنَّى يُؤْتى لَهُ
؛ إِنما أَراد أَنها مُفْسِدَةٌ لِلدِّينِ وَمُفَرِّقَةٌ بَيْنَ النَّاسِ ومُشَتِّتَةٌ أُمورهم، وَشَبَّهَهَا بِوَجَعِ الْبَطْنِ لأَنه لَا يُدْرَى مَا هَاجَهُ وَكَيْفَ يُدَاوَى ويتأَتى لَهُ. وبَيْقَرَ الرجلُ: هَاجَرَ مِنْ أَرض إِلى أَرض. وبَيْقَرَ: خَرَجَ إِلَى حَيْثُ لَا يَدْرِي. وبَيْقَرَ: نَزَلَ الحَضَرَ وأَقام هُنَاكَ وَتَرَكَ قَوْمَهُ بِالْبَادِيَةِ، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الْعِرَاقَ، وَقَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
أَلا هَلْ أَتَاهَا، والحوادثُ جَمَّةٌ، ... بأَنَّ إمْرَأَ القَيْسِ بِنَ تَمْلِكَ بَيْقَرا؟
يَحْتَمِلُ جَمِيعَ ذَلِكَ. وبَيْقَرَ: أَعْيَا. وبَيْقَر: هلَك. وَبَيْقَرَ: مشَى مِشْيَةَ المُنَكِّسِ. وبَيْقَرَ: أَفسد؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَبِهِ فَسَّرَ قوله:
وَقَدْ كانَ زَيْدٌ، والقُعُودُ بأَرْضِهِ، ... كَرَاعِي أُنَاسٍ أَرْسَلُوه فَبَيْقرَا
وَالْبَيْقَرَةُ: الْفَسَادُ. وَقَوْلُهُ: كَرَاعِي أُناس أَي ضَيَّعَ غَنَمَهُ لِلذِّئْبِ؛ وَكَذَلِكَ فُسِّرَ بِالْفَسَادِ قَوْلُهُ:
يَا مَنْ رَأَى النُّعْمانَ كانَ حِيَرَا، ... فَسُلَّ مِنْ ذَلِكَ يَوْمَ بَيْقَرَا
أَي يَوْمَ فَسَادٍ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الأَعرابي جَعَلَهُ اسْمًا؛ قَالَ: وَلَا أَدري لِتَرْكِ صَرْفِهِ وَجْهًا إِلَّا أَن يضمنه الضمير وَيَجْعَلَهُ حِكَايَةً، كَمَا قَالَ:
نُبِّئْتُ أَخْوالي بَني يَزِيدُ ... بَغيْاً عَلَيْنَا لَهُمُ فَدِيدُ
ضَمَّنَ يَزِيدُ الضَّمِيرَ فَصَارَ جُمْلَةً فَسُمِّيَ بِهَا فَحُكِيَ؛ وَيُرْوَى: يَوْمًا بَيْقَرًا أَي يَوْمًا هَلَكَ أَو فَسَدَ فِيهِ مُلْكُهُ. وبَقِرَ الرَّجُلُ، بِالْكَسْرِ، إِذا أَعيا وحَسَرَ، وبَيْقَرَ مِثْلُهُ. ابْنُ الأَعرابي: بَيْقَرَ إِذا تَحَيَّرَ. يُقَالُ: بَقِرَ الْكَلْبُ وبَيْقَر إِذا رأَى البَقَرَ فَتَحَيَّرَ، كَمَا يُقَالُ غَزِلَ إِذا رأَى الْغَزَالَ فَلَهِيَ. وبَيْقَرَ: خَرَجَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ. وبَيْقَر إِذا شَكَّ، وبَيْقَرَ إِذا حَرَصَ عَلَى جَمْعِ الْمَالِ وَمَنْعِهِ. وبَيْقَر إِذا مَاتَ، وأَصْلُ البَيْقَرَة الْفَسَادُ. وبَيْقَرَ الرَّجُلُ فِي مَالِهِ إِذا أَسرع فِيهِ وأَفسده. وَرَوَى عَمْرٌو عَنْ أَبيه: البَيْقَرَة كَثْرَةُ الْمَتَاعِ وَالْمَالِ. أَبو عُبَيْدَةَ: بَيْقَرَ الرَّجُلُ فِي العَدْو إِذا اعْتَمَدَ فِيهِ. وبَيْقَر الدَّارَ إِذا نَزَلَهَا وَاتَّخَذَهَا مَنْزِلًا. وَيُقَالُ: فِتْنَةٌ بَاقِرَةٌ كَدَاءِ الْبَطْنِ، وَهُوَ الْمَاءُ الأَصفر. وَفِي حَدِيثِ
أَبي مُوسَى: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: سيأْتي عَلَى النَّاسِ فتْنَةٌ باقِرَةٌ تَدَعُ الحليمَ حَيْرانَ
؛ أَي واسعَةٌ عظيمةٌ. كَفَانَا اللَّهُ شَرَّهَا. والبُقَّيْرَى، مِثَالُ السُّمَّيْهى: لِعْبَةُ الصِّبْيَانِ، وَهِيَ كَوْمَةٌ مِنْ تُرَابٍ وَحَوْلَهَا خُطُوطٌ. وبَقَّرَ الصبيانُ: لَعِبُوا البُقَّيْرَى، يأْتون إِلى مَوْضِعٍ قَدْ خُبِّئَ لَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ فَيَضْرِبُونَ بأَيديهم بِلَا حَفْرٍ يَطْلُبُونَهُ؛ قَالَ طُفَيْلٌ الغَنَوِيُّ يَصِفُ فَرَسًا:
أَبَنَّتْ فَمَا تَنْفَكُّ حَوْلَ مُتَالِعٍ، ... لَهَا مِثلُ آثارِ المُبَقِّرِ مَلْعَبُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: فِي هَذَا الْبَيْتِ يَصِفُ فَرَسًا، وَقَوْلُهُ ذَلِكَ سَهْوٌ وإِنما هُوَ يَصِفُ خَيْلًا تَلْعَبُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهُوَ مَا حَوْلَ مُتَالِعٍ، وَمُتَالِعٌ: اسْمُ جَبَلٍ. والبُقَّارُ: تُرَابٌ يُجْمَعُ بالأَيدي فَيُجْعَلُ قُمَزاً قُمَزاً وَيُلْعَبُ بِهِ، جَعَلُوهُ اسْمًا كالقِذَافِ؛ والقُمَزُ كأَنها صَوَامِعُ، وَهُوَ البُقَّيْرَى؛ وأَنشد:
نِيطَ بِحَقْوَيها خَمِيسٌ أَقْمَرُ ... جَهْمٌ، كبُقَّارِ الوليدِ، أَشْعَرُ