قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَيَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَتفعل كَذَا وَكَذَا يَا فُلَانُ؟ فَيَقُولُ: حِجْراً [حُجْراً] أَي سِتْرًا وَبَرَاءَةً مِنْ هَذَا الأَمر، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلى مَعْنَى التَّحْرِيمِ وَالْحُرْمَةِ. اللَّيْثُ: كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَلْقَى الرَّجُلَ يَخَافُهُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فيقول: حِجْراً حُجْراً مَحجُوراً أَي حرام محرم عَلَيْكَ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَلَا يَبْدَؤُهُ مِنْهُ شَرٌّ. قَالَ: فإِذا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ورأَى الْمُشْرِكُونَ مَلَائِكَةَ الْعَذَابِ قَالُوا: حِجْراً مَحْجُوراً، وَظَنُّوا أَن ذَلِكَ يَنْفَعُهُمْ كَفِعْلِهِمْ فِي الدُّنْيَا؛ وأَنشد:
حَتَّى دَعَوْنَا بأَرحام لَهَا سَلَفَتْ، ... وَقَالَ قَائِلُهُمْ: إِني بِحَاجُورِ
يَعْنِي بِمَعاذ؛ يَقُولُ: أَنا مُتَمَسِّكٌ بِمَا يُعِيذُنِي مِنْكَ ويَحْجُرك عَنِّي؛ قَالَ: وَعَلَى قِيَاسِهِ العاثُورُ وَهُوَ المَتْلَفُ. قَالَ الأَزهري. أَما مَا قَالَهُ اللَّيْثُ مِنْ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً
؛ إِنه مِنْ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ لِلْمَلَائِكَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فإِن أَهل التَّفْسِيرِ الَّذِينَ يُعتمدون مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ وأَصحابه فَسَّرُوهُ عَلَى غَيْرِ مَا فَسَّرَهُ اللَّيْثُ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا كُلُّهُ مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ، قَالُوا لِلْمُشْرِكِينَ حِجْرًا مَحْجُورًا أَي حُجِرَتْ عَلَيْكُمُ البُشْرَى فَلَا تُبَشَّرُون بِخَيْرٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَبي حَاتِمٍ فِي قَوْلِهِ: [وَيَقُولُونَ حِجْرًا] تَمَّ الْكَلَامُ. قَالَ أَبو الْحَسَنِ: هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُجْرِمِينَ فَقَالَ اللَّهُ مَحْجُوَرًا عَلَيْهِمْ أَن يُعَاذُوا وأَن يُجَارُوا كَمَا كَانُوا يُعَاذُونَ فِي الدُّنْيَا وَيُجَارُونَ، فَحَجَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ قَالَ أَبو حَاتِمٍ وَقَالَ أَحمد اللُّؤْلُؤِيُّ: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قَالَ: هَذَا كُلُّهُ مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ. قَالَ الأَزهري: وَهَذَا أَشبه بِنَظْمِ الْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ، وأَحرى أَن يَكُونَ قَوْلُهُ حِجْرًا مَحْجُورًا كَلَامًا وَاحِدًا لَا كَلَامَيْنِ مَعَ إِضمار كَلَامٍ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: حجرا محجورا أَي حراما مُحَرَّمًا، كَمَا تَقُولُ: حَجَرَ التاجرُ عَلَى غُلَامِهِ، وحَجَرَ الرَّجُلُ عَلَى أَهله. وَقُرِئَتْ حُجْراً مَحْجُوراً أَي حراما مُحَرَّمًا عَلَيْهِمُ البُشْرَى. قَالَ: وأَصل الحُجْرِ فِي اللُّغَةِ مَا حَجَرْتَ عَلَيْهِ أَي مَنَعْتَهُ مِنْ أَن يُوصَلَ إِليه. وَكُلُّ مَا مَنَعْتَ مِنْهُ، فَقَدْ حَجَرْتَ عَلَيْهِ؛ وَكَذَلِكَ حَجْرُ الحُكَّامِ عَلَى الأَيتام: مَنْعُهم؛ وَكَذَلِكَ الحُجْرَةُ الَّتِي يَنْزِلُهَا النَّاسُ، وَهُوَ مَا حَوَّطُوا عَلَيْهِ. والحَجْرُ، ساكنٌ: مَصْدَرُ حَجَر عَلَيْهِ الْقَاضِي يَحْجُر حَجْراً إِذا مَنَعَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَن أَحْجُرَ عَلَيْهَا
؛ هُوَ مِنَ الحَجْر المَنْعِ، وَمِنْهُ حَجْرُ الْقَاضِي عَلَى الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ إِذا مَنَعَهُمَا مِنَ التصرف في مالها. أَبو زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ وَحَرْثٌ حِجْرٌ
حرامٌ وَيَقُولُونَ حِجْراً حَرَامًا، قَالَ: وَالْحَاءُ فِي الْحَرْفَيْنِ بِالضَّمَّةِ وَالْكَسْرَةِ لُغَتَانِ. وحَجْرُ الإِنسان وحِجْرُه، بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: حِضْنُه. وَفِي سُورَةِ النِّسَاءِ: فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ
؛ وَاحِدُهَا حَجْرٌ، بِفَتْحِ الْحَاءِ. يُقَالُ: حَجْرُ المرأَة وحِجْرُها حِضْنُها، وَالْجَمْعُ الحُجُورُ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْر وَلِيِّها
، وَيَجُوزُ مِنْ حِجْرِ [حَجْرِ] الثَّوْبِ وَهُوَ طَرَفُهُ الْمُتَقَدِّمُ لأَن الإِنسان يَرَى وَلَدَهُ فِي حِجْرِه؛ والوليُّ: الْقَائِمُ بأَمر الْيَتِيمِ. وَالْحِجْرُ، بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: الثَّوْبُ والحِضْنُ، وَالْمَصْدَرُ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ. ابْنُ سِيدَهْ: الحَجْرُ الْمَنْعُ، حَجَرَ عَلَيْهِ يَحْجُرُ حَجْراً وحُجْراً وحِجْراً وحُجْراناً وحِجْراناً مَنَعَ مِنْهُ. وَلَا حُجْرَ عَنْهُ أَي لَا دَفْعَ وَلَا مَنْعَ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ عِنْدَ الأَمر تُنْكِرُهُ: حُجْراً لَهُ، بِالضَّمِّ، أَي دَفْعًا، وهو استعارة مِنَ الأَمر؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
قالتْ وَفِيهَا حَيْدَةٌ وذُعْرُ: ... عَوْذٌ بِرَبِّي مِنْكُمُ وحُجْرُ