وأَعود إِليك. فأَخذت عَلَيْهِ الْعُهُودَ أَن لَا يُقِيمَ إِلا سَنَةً، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا وَقَدْ أَعطته مَالًا كَثِيرًا حَتَّى قَدِمَ عَلَى أَهله، فرأَى حَالَ زَوْجَتِهِ وَمَا صَارَتْ إِليه مِنَ الضُّرِّ، فَقَالَ لأَولاده: أَنتم قَدْ وَرِثْتُمُونِي وأَنا حَيٌّ، وَهُوَ حَظُّكُمْ وَاللَّهِ لَا يُشْرِكُ زَوْجَتِي فِيمَا قَدِمْتُ بِهِ مِنْكُمْ أَحد، فَتَسَلَّمَتْ جَمِيعَ مَا أَتى بِهِ، ثُمَّ إِنه اشْتَاقَ إِلى زَوْجَتِهِ الشَّامِيَّةِ وأَراد الْخُرُوجَ إِليها، فَبَلَغَهُ مَوْتُهَا فأَقام وَقَالَ:
صاحِ حَيَّا الإِلَهُ حَيّاً ودُوراً، ... عِنْدَ أَصْلِ القَناةِ مِنْ جَيْرُونِ،
طالَ لَيْلِي وبِتُّ كالمَجْنُونِ، ... واعْتَرَتْنِي الهُمُومُ بالماطِرُونِ
عَنْ يَسارِي إِذا دَخَلْتُ من البابِ، ... وإِن كنتُ خَارِجًا عَنْ يَميني
فَلِتِلْكَ اغْتَرَبْتُ بالشَّامِ حَتَّى ... ظَنَّ أَهْلي مُرَجَّماتِ الظُّنُونِ
وهْيَ زَهْرَاءُ، مِثْلُ لُؤْلُؤَةِ ... الغَوَّاصِ، مِيْزَتْ مِنْ جوهرٍ مَكنُونِ
وإِذا مَا نَسَبْتَها، لَمْ تَجِدْها ... فِي سنَاءٍ مِنَ المَكارِم دونِ
تَجْعَلُ المِسْكَ واليَلَنْجُوجَ والنَّدَّ ... صِلاءً لَهَا عَلَى الكانُونِ
ثُمَّ خاصَرْتُها إِلى القُبَّةِ الخَضْراءِ ... تَمْشِي فِي مَرْمَرٍ مَسْنُونِ
قُبَّةٌ مِنْ مَراجِلٍ ضَرَبَتْها، ... عِنْدَ حدِّ الشِّتاء فِي قَيْطُونِ
ثُمَّ فارَقْتُها عَلَى خَيْرِ ما كانَ ... قَرِينٌ مُفارِقاً لِقَرِينِ
فبَكَتْ خَشْيَةَ التَّفَرُّقِ للبَيْنِ، ... بُكاءَ الحَزِين إِثْرَ الحَزِينِ
قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ أُخرى مَا يَشْهَدُ أَيضاً بأَنه لأَبي دَهْبَلٍ أَن يَزِيدَ قَالَ لأَبيه مُعَاوِيَةَ: إِن أَبا دَهْبَلٍ ذَكَرَ رَمَلَةَ ابْنَتَكَ فَاقْتُلْهُ، فَقَالَ: أَيّ شَيْءٍ قَالَ؟ فَقَالَ: قَالَ:
وهي زهراء، مثل لؤلؤة ... الغَوّاص، مِيزَتْ مِنْ جَوْهَرٍ مَكْنُونِ
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَحسن، قَالَ: فَقَدْ قَالَ:
وإِذا مَا نَسَبْتَهَا، لَمْ تَجِدْهَا ... فِي سَنَاءٍ مِنَ الْمَكَارِمِ دُونِ
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: صَدَقَ؛ قَالَ: فَقَدْ قَالَ:
ثُمَّ خَاصَرْتُهَا إِلى الْقُبَّةِ الخضراء ... تَمْشِي فِي مَرْمَرٍ مَسْنُونِ
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: كَذَبَ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي سَعِيدٍ وَذِكْرِ صَلَاةِ الْعِيدِ
: فَخَرَجَ مُخاصِراً مَرْوانَ؛ الْمُخَاصَرَةُ: أَن يأْخذ الرَّجُلُ بِيَدِ رَجُلٍ آخَرَ يَتَمَاشَيَانِ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ خَصْرِ صَاحِبِهِ. وتَخَاصَرَ القومُ: أَخذ بَعْضُهُمْ بِيَدِ بَعْضٍ. وَخَرَجَ الْقَوْمُ مُتَخَاصِرِينَ إِذا كَانَ بَعْضُهُمْ آخِذًا بِيَدِ بَعْضٍ. والمِخْصَرَةُ: كَالسَّوْطِ، وَقِيلَ: الْمِخَصَرَةُ شَيْءٌ يأْخذه الرَّجُلُ بِيَدِهِ لِيَتَوَكَّأَ عَلَيْهِ مِثْلَ الْعَصَا وَنَحْوِهَا، وَهُوَ أَيضاً مِمَّا يأْخذه الملك يشير بِهِ إِذا خَطَبَ؛ قَالَ:
يَكادُ يُزِيلُ الأَرضَ وَقْعُ خِطابِهِمْ، ... إِذا وصَلُوا أَيْمانَهُمْ بالمَخاصِرِ
واخْتَصَرَ الرَّجُلُ: أَمسك المِخْصَرَةَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجَ إِلى الْبَقِيعِ وَبِيَدِهِ مِخْصَرَةٌ لَهُ فَجَلَسَ فَنَكَتَ بِهَا فِي الأَرض
؛ أَبو عُبَيْدٍ: المِخْصَرَةُ مَا اخْتَصَر الإِنسانُ بِيَدِهِ