للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كَذَا أَنشده ابْنُ جِنِّي لَهَا نَسَبِي وَقَالَ لَهَا يَعْنِي النِّسْبَةَ، قَالَ: وَرِوَايَتِي لَهُ نَسَبِي. والمَدْبَرَةُ: الإِدْبارُ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

هَذَا يُصادِيكَ إِقْبالًا بِمَدْبَرَةٍ؛ ... وَذَا يُنادِيكَ إِدْباراً بِإِدْبارِ

ودَبَرَ بِالشَّيْءِ: ذَهَبَ بِهِ. ودَبَرَ الرجلُ: ولَّى وشَيَّخَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

وَاللَّيْلِ إِذا دَبَرَ

؛ أَي تَبِعَ النهارَ قَبْلَه، وقرأَ

ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: وَاللَّيْلِ إِذ أَدْبَرَ

، وقرأَها

كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: وَاللَّيْلِ إِذا دَبَرَ

، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُمَا لُغَتَانِ: دَبَرَ النَّهَارُ وأَدْبَرَ، ودَبَرَ الصَّيْفُ وأَدْبَرَ، وَكَذَلِكَ قَبَلَ وأَقْبَلَ، فإِذا قَالُوا أَقبل الرَّاكِبُ أَو أَدبر لَمْ يَقُولُوا إِلا بالأَلف، قَالَ: وإِنهما عِنْدِي فِي الْمَعْنَى لَواحدٌ لَا أُبْعِدُ أَنْ يأْتي فِي الرِّجَالِ مَا أَتى فِي الأَزمنة، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ:

وَاللَّيْلِ إِذا دَبَرَ

، جَاءَ بَعْدَ النَّهَارِ، كَمَا تَقُولُ خَلَفَ. يُقَالُ: دَبَرَنِي فُلَانٌ وخَلَفَنِي أَي جَاءَ بَعْدِي، وَمَنْ قرأَ:

والليل إِذ أَدْبَرَ

؛ فَمَعْنَاهُ ولَّى لِيَذْهَبَ. ودَابِرُ العَيْشِ: آخِرُهُ؛ قَالَ مَعْقِلُ بنُ خُوَيْلِدٍ الهُذَلِيُّ:

وَمَا عَرَّيْتُ ذَا الحَيَّاتِ، إِلَّا ... لأَقْطَعَ دَابِرَ العَيْشِ الحُبَابِ

وَذَا الْحَيَّاتِ: اسْمُ سَيْفِهِ. وَدَابِرُ الْعَيْشِ: آخِرُهُ؛ يَقُولُ: مَا عَرَّيْتُهُ إِلا لأَقتلك. ودَبَرَ النَّهَارُ وأَدْبَرَ: ذَهَبَ. وأَمْسِ الدَّابِرُ: الذَّاهِبُ؛ وَقَالُوا: مَضَى أَمْسِ الدَّابِرُ وأَمْسِ الْمُدْبِرُ، وَهَذَا مِنَ التَّطَوُّعِ المُشامِّ للتأْكيد لأَن الْيَوْمَ إِذا قِيلَ فِيهِ أَمْسِ فَمَعْلُومٌ أَنه دَبَرَ، لَكِنَّهُ أَكده بِقَوْلِهِ الدَّابِرُ كَمَا بَيَّنَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

وأَبِي الَّذِي تَرَكَ الملوكَ وجَمْعَهُمْ ... بِصُهَابَ هامِدَةً، كأَمْسِ الدَّابِرِ

وَقَالَ صَخْرُ بْنُ عَمْرٍو الشَّرِيد السُّلَمِي:

وَلَقَدْ قَتَلْتُكُمُ ثُناءَ ومَوْحَداً، ... وتَرَكْتُ مُرَّةَ مِثْلَ أَمْسِ الدَّابِرِ

وَيُرْوَى المُدْبِرِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالصَّحِيحُ فِي إِنشاده مِثْلَ أَمس الْمُدْبِرِ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ أَنشده أَبو عُبَيْدَةَ فِي مَقَاتِلِ الْفُرْسَانِ؛ وأَنشد قَبْلَهُ:

وَلَقَدْ دَفَعْتُ إِلى دُرَيْدٍ طَعْنَةً ... نَجْلاءَ تُزْغِلُ مِثْلَ عَطِّ المَنْحَرِ

تُزْغِلُ: تُخْرِجُ الدَّمَ قِطَعاً قِطَعاً. والعَطُّ: الشَّقُّ. وَالنَّجْلَاءُ: الْوَاسِعَةُ. وَيُقَالُ: هَيْهَاتَ، ذَهَبَ فُلَانٌ كَمَا ذَهَبَ أَمْسِ الدابِرُ، وَهُوَ الْمَاضِي لَا يَرْجِعُ أَبداً. وَرَجُلٌ خاسِرٌ دابِرٌ إِتْبَاعٌ، وسيأْتي خاسِرٌ دابِرٌ، وَيُقَالُ خاسِرٌ دامِرٌ، عَلَى الْبَدَلِ، وإِن لَمْ يَلْزَمْ أَن يَكُونَ بَدَلًا. واسْتَدْبَرَهُ: أَتاه مِنْ وَرَائِهِ؛ وَقَوْلُ الأَعشى يَصِفُ الْخَمْرَ أَنشده أَبو عُبَيْدَةَ:

تَمَزَّزْتُها غَيْرَ مُسْتَدْبِرٍ، ... عَلَى الشُّرْبِ، أَو مُنْكِرٍ مَا عُلِمْ

قَالَ: قَوْلُهُ غَيْرَ مُسْتَدْبِرٍ فُسِّرَ غَيْرَ مستأْثر، وإِنما قِيلَ للمستأْثر مُسْتَدْبِرٌ لأَنه إِذا استأْثر بِشُرْبِهَا اسْتَدْبَرَ عَنْهُمْ وَلَمْ يَسْتَقْبِلْهُمْ لأَنه يَشْرَبُهَا دُونَهُمْ وَيُوَلِّي عَنْهُمْ. والدَّابِرُ مِنَ الْقِدَاحِ: خِلَافُ القَابِلِ، وَصَاحِبُهُ مُدَابِرٌ؛ قَالَ صَخْر الغَيّ الهُذَلِيُّ يَصِفُ مَاءً وَرَدَهُ:

فَخَضْخَضْتُ صُفْنِيَ فِي جَمِّهِ، ... خِيَاضَ المُدابِرِ قِدْحاً عَطُوفَا

المُدابِرُ: الْمَقْمُورُ فِي الْمَيْسِرِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>