للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللُّغَةِ التَّغْطِيَةُ، وَالْكَافِرُ ذُو كُفْرٍ أَي ذُو تَغْطِيَةٍ لِقَلْبِهِ بِكُفْرِهِ، كَمَا يُقَالُ لِلَابِسِ السِّلَاحِ كَافِرٌ، وَهُوَ الَّذِي غَطَّاهُ السِّلَاحُ، وَمِثْلُهُ رَجُلٌ كاسٍ أَي ذُو كُسْوَة، وَمَاءٌ دَافِقٌ ذُو دَفْقٍ، قَالَ: وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَحسن مِمَّا ذَهَبَ إِليه، وَذَلِكَ أَن الْكَافِرَ لَمَّا دَعَاهُ اللَّهُ إِلى تَوْحِيدِهِ فَقَدْ دَعَاهُ إِلى نِعْمَةٍ وأَحبها لَهُ إِذا أَجابه إِلى مَا دَعَاهُ إِليه، فَلَمَّا أَبى مَا دَعَاهُ إِليه مِنْ تَوْحِيدِهِ كَانَ كَافِرًا نِعْمَةَ اللَّهِ أَي مُغَطِّيًا لَهَا بإِبائه حَاجِبًا لَهَا عَنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ: أَلا لَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِب بعضُكم رقابَ بَعْضٍ

؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: فِي قَوْلِهِ كُفَّارًا قَوْلَانِ: أَحدهما لَابِسِينَ السِّلَاحَ مُتَهَيِّئِينَ لِلْقِتَالِ مَنْ كَفَرَ فوقَ دِرْعِه إِذا لَبِسَ فَوْقَهَا ثَوْبًا كأَنه أَراد بِذَلِكَ النهيَ عَنِ الْحَرْبِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنه يُكَفِّرُ الناسَ فيَكْفُر كَمَا تَفْعَلُ الخوارجُ إِذا اسْتَعْرَضُوا الناسَ فيُكَفِّرونهم، وَهُوَ كَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

مَنْ قَالَ لأَخيه يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحدهما

، لأَنه إِما أَن يَصْدُقَ عَلَيْهِ أَو يَكْذِبَ، فإِن صَدَقَ فَهُوَ كَافِرٌ، وإِن كَذَبَ عَادَ الْكُفْرُ إِليه بِتَكْفِيرِهِ أَخاه الْمُسْلِمَ. قَالَ: وَالْكُفْرُ صِنْفَانِ: أَحدهما الْكُفْرُ بأَصل الإِيمان وَهُوَ ضِدُّهُ، وَالْآخَرُ الْكُفْرُ بِفَرْعٍ مِنْ فُرُوعِ الإِسلام فلا يخرج بِهِ عَنْ أَصل الإِيمان. وَفِي حَدِيثِ الرِّدَّةِ:

وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ

؛ أَصحاب الرِّدَّةِ كَانُوا صِنْفَيْنِ: صَنْفٌ ارْتَدُّوا عَنِ الدِّينِ وَكَانُوا طَائِفَتَيْنِ إِحداهما أَصحاب مُسَيْلِمَةَ والأَسْودِ العَنْسِيّ الَّذِينَ آمَنُوا بِنُبُوَّتِهِمَا، والأُخرى طَائِفَةٌ ارْتَدُّوا عَنِ الإِسلام وَعَادُوا إِلى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهَؤُلَاءِ اتَّفَقَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى قِتَالِهِمْ وَسَبْيِهِمْ وَاسْتَوْلَدَ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَنْ سَبْيِهِمْ أُمَّ محمدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ ثُمَّ لَمْ يَنْقَرِضْ عَصْرُ الصَّحَابَةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، حَتَّى أَجمعوا أَن الْمُرْتَدَّ لَا يُسْبى، وَالصِّنْفُ الثَّانِي مِنْ أَهل الرِّدَّةِ لَمْ يَرْتَدُّوا عَنِ الإِيمان وَلَكِنْ أَنكروا فَرْضَ الزَّكَاةِ وَزَعَمُوا أَن الْخِطَابَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً؛ خَاصٌّ بِزَمَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِذَلِكَ اشْتَبَهَ عَلَى عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قِتالهم لإِقرارهم بِالتَّوْحِيدِ وَالصَّلَاةِ، وَثَبَتَ أَبو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَلَى قِتَالِهِمْ بِمَنْعِ الزَّكَاةِ فَتَابَعَهُ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ لأَنهم كَانُوا قَرِيبي الْعَهْدِ بِزَمَانٍ يَقَعُ فِيهِ التَّبْدِيلُ وَالنَّسْخُ، فَلَمْ يُقَرّوا عَلَى ذَلِكَ، وهؤلاء كانوا أَهل بغي فأُضيفوا إِلى أَهل الرِّدَّةِ حَيْثُ كَانُوا فِي زَمَانِهِمْ فَانْسَحَبَ عَلَيْهِمُ اسْمُهَا، فأَما بَعْدَ ذَلِكَ فَمَنْ أَنكر فَرْضِيَّةَ أَحد أَركان الإِسلام كَانَ كَافِرًا بالإِجماع؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ

عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَلا لَا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ فتُذِلُّوهم وَلَا تَمْنَعُوهم حَقَّهم فتُكَفِّروهم لأَنهم رُبَّمَا ارتدُّوا إِذا مُنِعوا عَنِ الْحَقِّ.

وَفِي حَدِيثِ

سَعْدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَمَتَّعْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومُعَاوية كَافِرٌ بالعُرُش قَبْلَ إِسلامه

؛ والعُرُش: بُيُوتُ مَكَّةَ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنه مُقِيمٌ مُخْتَبِئٌ بِمَكَّةَ لأَن التَّمَتُّعَ كَانَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، ومُعاوية أَسلم عَامَ الْفَتْحِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ التَّكْفِيرِ الذُّلِّ والخضوعِ. وأَكْفَرْتُ الرجلَ: دَعَوْتُهُ كَافِرًا. يُقَالُ: لَا تُكْفِرْ أَحداً مِنْ أَهل قِبْلَتِكَ أَي لَا تَنْسُبْهم إِلي الْكُفْرِ أَي لَا تَدْعُهُم كُفَّارًا وَلَا تَجْعَلْهُمْ كُفَّارًا بِقَوْلِكَ وَزَعْمِكَ. وكَفَّرَ الرجلَ: نَسَبَهُ إِلى الْكُفْرِ. وَكُلٌّ مَنْ سَتَرَ شَيْئًا، فَقَدَ كَفَرَه وكَفَّره. وَالْكَافِرُ الزرَّاعُ لِسَتْرِهِ الْبَذْرَ بِالتُّرَابِ. والكُفَّارُ: الزُّرَّاعُ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ للزَّرَّاعِ: كَافِرٌ لأَنه يَكْفُر البَذْر المَبْذورَ بِتُرَابِ الأَرض المُثارة إِذا أَمَرّ عَلَيْهَا مالَقَهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ

؛ أَي أَعجب الزُّرَّاْعَ نَبَاتُهُ، وإِذا أَعجب الزُّرَّاعَ نَبَاتُهُ مَعَ عِلْمِهِمْ بِهِ فَهُوَ غَايَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>