قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَراد المَبْرُوزَ بِهِ ثُمَّ حَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ فَارْتَفَعَ الضَّمِيرُ وَاسْتَتَرَ فِي اسْمِ الْمَفْعُولِ بِهِ؛ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْآخَرِ:
إِلى غيرِ مَوْثُوقٍ مِنَ الأَرض يَذْهَبُ
أَراد مَوْثُوقٍ بِهِ؛ وأَنشد بَعْضُهُمُ المُبْرَزُ عَلَى احْتِمَالِ الخَزْلِ فِي مُتَفَاعِلُنْ؛ قَالَ أَبو حَاتِمٍ فِي قَوْلِ لَبِيدٍ إِنما هُوَ:
أَلنَّاطقُ المُبْرَزُ والمَخْتُومُ
مُزَاحَفٌ فَغَيَّرَهُ الرُّوَاةُ فِرَارًا مِنَ الزِّحَافِ. الصِّحَاحِ: أَلناطق بِقَطْعِ الأَلف وإِن كَانَ وَصْلًا، قَالَ وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي ابْتِدَاءِ الأَنصاف لأَن التَّقْدِيرَ الْوَقْفُ عَلَى النِّصْفِ من الصدر، قال: وأَنكر أَبو حَاتِمٍ الْمَبْرُوزَ قَالَ: وَلَعَلَّهُ المَزْبُورُ وَهُوَ الْمَكْتُوبُ؛ وَقَالَ لَبِيدٌ أَيضاً فِي كَلِمَةٍ لَهُ أُخرى:
كَمَا لاحَ عُنْوانُ مَبْرُوزَةٍ ... يَلُوحُ مَعَ الكَفِّ عُنْوانُها
قَالَ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنه لُغَتُهُ، قَالَ: وَالرُّوَاةُ كُلُّهُمْ عَلَى هَذَا، قَالَ: فَلَا مَعْنَى لإِنكار مَنْ أَنكره، وَقَدْ أَعطوه كِتَابًا مَبْرُوزاً، وَهُوَ الْمَنْشُورُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وإِنما أَجازوا الْمَبْرُوزَ وَهُوَ مَنْ أَبرزت لأَن يُبْرِزُ لَفْظُهُ وَاحِدٌ مِنَ الْفِعْلَيْنِ. وكلُّ مَا ظَهَرَ بَعْدَ خَفَاءٍ، فَقَدْ بَرَزَ. وبَرَّزَ الرجلُ: فَاقَ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ إِذا سَبَقَ. وبارَزَ القِرْنَ مُبارَزَةً وبِرازاً: بَرَزَ إِليه، وَهُمَا يَتَبارَزانِ. وامرأَة بَرْزَةٌ: بارِزَةُ المَحاسِنِ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: قَالَ الزُّبَيْرِيُّ: البَرْزَة مِنَ النِّسَاءِ الَّتِي لَيْسَتْ بالمُتَزايِلَةِ الَّتِي تُزايِلُك بِوَجْهِهَا تَسْتُرُهُ عَنْكَ وتَنْكَبُّ إِلى الأَرض، والمُخْرَمِّقَةُ الَّتِي لَا تَتَكَلَّمُ إِن كُلِّمَتْ، وَقِيلَ: امرأَة بَرْزَةٌ مُتَجالَّةٌ تَبْرُزُ لِلْقَوْمِ يَجْلِسُونَ إِليها ويتحدَّثون عَنْهَا. وَفِي حَدِيثِ
أُم مَعْبَدٍ: وَكَانَتِ امرأَةً بَرْزَةً تَخْتَبِئُ بِفِناءِ قُبَّتِها
؛ أَبو عُبَيْدَةَ: البَرْزَةُ مِنَ النساءِ الْجَلِيلَةُ الَّتِي تَظْهَرُ لِلنَّاسِ وَيَجْلِسُ إِليها الْقَوْمُ. وامرأَة بَرْزَة: مَوْثُوقٌ برأْيها وَعَفَافِهَا. وَيُقَالُ: امرأَة بَرْزَة إِذا كَانَتْ كَهْلَةً لَا تَحْتَجِبُ احتجابَ الشَّوابِّ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ عَفِيفَةٌ عَاقِلَةٌ تَجْلِسُ لِلنَّاسِ وتحدِّثهم، مِنَ البُروزِ وَهُوَ الظُّهُورُ وَالْخُرُوجُ. ورجلٌ بَرْزٌ: ظَاهِرُ الخلقِ عَفِيفٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
بَرْزٌ وَذُو العَفَافَةِ البَرْزِيُ
وَقَالَ غَيْرُهُ: بَرْزٌ أَراد أَنه مُتَكَشِّفُ الشأْن ظَاهِرٌ. وَرَجُلٌ بَرْزٌ وامرأَة بَرْزَةٌ: يُوصَفَانِ بالجَهارَة وَالْعَقْلِ؛ وأَما قَوْلُ جَرِيرٍ:
خَلِّ الطَّرِيقَ لِمَنْ يَبْنِي المَنارَ بِهِ ... وابْرُزْ ببَرْزَةَ حيثُ اضْطَرَّكَ القَدَرُ
فَهُوَ اسْمُ أُم عُمَرَ بْنَ لَجَإٍ التَّيْمِيِّ. وَرَجُلٌ بَرْزٌ وبَرْزِيٌّ: مَوثوق بِفَضْلِهِ ورأْيه، وَقَدْ بَرُزَ بَرازَةً. وبَرَّزَ الفرسُ عَلَى الْخَيْلِ: سَبَقها، وَقِيلَ كلُّ سَابِقٍ مُبَرِّزٌ. وبَرَّزَه فرسُه: نَجَّاه؛ قَالَ رؤْبة:
لَوْ لَمْ يُبَرِّزْهُ جَوادٌ مِرْأَسُ
وإِذا تَسَابَقَتِ الْخَيْلُ قِيلَ لِسَابِقِهَا: قَدْ بَرَّزَ عَلَيْهَا، وإِذا قِيلَ بَرَزَ، مخففٌ، فَمَعْنَاهُ ظَهَرَ بَعْدَ الْخَفَاءِ، وإِنما قِيلَ فِي التَّغَوُّطِ تَبَرَّزَ فُلَانٌ كِنَايَةً أَي خَرَجَ إِلى بَرازٍ مِنَ الأَرض لِلْحَاجَةِ. والمُبارَزَةُ فِي الْحَرْبِ والبِرازُ مِنْ هَذَا أُخذ، وَقَدْ تَبارَزَ القِرْنانِ. وأَبْرَزَ الرجلُ إِذا عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ، وبَرَزَ إِذا ظَهَرَ بَعْدَ خُمول، وبَرَزَ إِذا خَرَجَ إِلى البرازِ، وَهُوَ الْغَائِطُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً
، أَي ظَاهِرَةً بِلَا جَبَلٍ وَلَا تَلٍّ وَلَا رَمْلٍ.