للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَفِي الْحَدِيثِ:

ذَلِكَ حَبيسٌ فِي سَبِيلِ اللَّه

؛ أَي مَوْقُوفٌ عَلَى الْغُزَاةِ يَرْكَبُونَهُ فِي الْجِهَادِ، والحَبِيسُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَكُلُّ مَا حُبِسَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ حَبيسٌ. اللَّيْثُ: الحَبيسُ الْفَرَسُ يُجْعَلُ حَبِيساً فِي سَبِيلِ اللَّه يُغْزى عَلَيْهِ. الأَزهري: والحُبُسُ جَمْعُ الحَبِيس يَقَعُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَقَفَهُ صَاحِبُهُ وَقْفًا مُحَرَّمًا لَا يُورَثُ وَلَا يُبَاعُ مِنْ أَرض وَنَخْلٍ وَكَرْمٍ ومُسْتَغَلٍّ، يُحَبَّسُ أَصله وَقْفًا مُؤَبَّدًا وتُسَبَّلُ ثَمَرَتُهُ تَقَرُّبًا إِلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا

قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِعُمَرَ فِي نَخْلٍ لَهُ أَراد أَن يَتَقَرَّبَ بِصَدَقَتِهِ إِلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ لَهُ: حَبِّسِ الأَصلَ وسَبِّل الثَّمَرَةَ

؛ أَي اجْعَلْهُ وَقْفًا حُبُساً، وَمَعْنَى تَحْبِيسِهِ أَن لَا يُورَثَ وَلَا يُبَاعَ وَلَا يُوهَبَ وَلَكِنْ يُتْرَكُ أَصله وَيُجْعَلَ ثَمَرُهُ فِي سُبُلِ الْخَيْرِ، وأَما مَا رُوِيَ عَنْ شُرَيْح أَنه قَالَ: جاءَ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بإِطلاق الحُبْس فإِنما أَراد بِهَا الحُبُسَ، هُوَ جَمْعُ حَبِيسٍ، وَهُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ، وأَراد بِهَا مَا كَانَ أَهل الْجَاهِلِيَّةِ يَحْبِسُونه مِنَ السَّوَائِبِ وَالْبَحَائِرِ وَالْحَوَامِي وَمَا أَشبهها، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ بإِحلال مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْهَا وإِطلاق مَا حَبَّسوا بِغَيْرِ أَمر اللَّه مِنْهَا. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهُوَ فِي كِتَابِ الْهَرَوِيِّ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ لأَنه عَطَفَ عَلَيْهِ الْحُبُسُ الَّذِي هُوَ الْوَقْفُ، فإِن صَحَّ فَيَكُونُ قَدْ خَفَّفَ الضَّمَّةَ، كَمَا قَالُوا فِي جَمْعِ رَغِيفٍ رُغْفٌ، بِالسُّكُونِ، والأَصل الضَّمُّ، أَو أَنه أَراد بِهِ الْوَاحِدَ. قَالَ الأَزهري: وأَما الحُبُسُ الَّتِي وَرَدَتِ السنَّة بِتَحْبِيسِ أَصلها وَتَسْبِيلِ ثَمَرِهَا فَهِيَ جَارِيَةٌ عَلَى مَا سَنَّها الْمُصْطَفَى، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى مَا أَمر بِهِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فِيهَا. وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ:

أَن خَالِدًا جَعَلَ رَقِيقَه وأَعْتُدَه حُبُساً فِي سَبِيلِ اللَّه

؛ أَي وَقْفًا عَلَى الْمُجَاهِدِينَ وَغَيْرِهِمْ. يُقَالُ: حَبَسْتُ أَحْبِسُ حَبْساً وأَحْبَسْتُ أُحْبِسُ إِحْباساً أَي وَقَفْتُ، وَالِاسْمُ الحُبس، بِالضَّمِّ؛ والأَعْتُدُ: جَمْعُ العَتادِ، وَهُوَ مَا أَعَدَّه الإِنسان مِنْ آلَةِ الْحَرْبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا حُبْسَ بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ

، أَي لَا يُوقَف مَالٌ وَلَا يُزْوَى عَنْ وَارِثِهِ، إِشارة إِلى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ حَبْس مَالِ الْمَيِّتِ وَنِسَائِهِ، كَانُوا إِذا كَرِهُوا النِّسَاءَ لِقُبْحٍ أَو قِلَّةِ مَالٍ حَبَسُوهُنَّ عَنِ الأَزواج لأَن أَولياء الْمَيِّتِ كَانُوا أَولى بِهِنَّ عِنْدَهُمْ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَوْلُهُ لَا حُبْسَ، يَجُوزُ بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَبِضَمِّهَا عَلَى الِاسْمِ. والحِبْسُ: كلُّ مَا سدَّ بِهِ مَجْرى الْوَادِي فِي أَيّ مَوْضِعٍ حُبِسَ؛ وَقِيلَ: الحِبْس حِجَارَةٌ أَو خَشَبٌ تُبْنَى فِي مَجْرَى الْمَاءِ لِتَحْبِسَهُ كَيْ يَشْرَبَ القومُ ويَسقوا أَموالَهُم، وَالْجَمْعُ أَحْباس، سُمِّيَ الْمَاءُ بِهِ حِبْساً كَمَا يُقَالُ لَهُ نِهْيٌ؛ قَالَ أَبو زُرْعَةَ التَّيْمِيُّ:

مِنْ كَعْثَبٍ مُسْتَوْفِز المَجَسِّ، ... رَابٍ مُنِيفٍ مثلِ عَرْضِ التُّرْسِ

فَشِمْتُ فِيهَا كعَمُود الحِبْسِ، ... أَمْعَسُها يَا صاحٍ، أَيَّ مَعْسِ

حَتَّى شَفَيْتُ نَفْسَها مِنْ نَفْسي، ... تِلْكَ سُلَيْمَى، فاعْلَمَنَّ، عِرْسِي

الكَعْثَبُ: الرَّكَبُ. والمَعْسُ: النِّكَاحُ مِثْلُ مَعْسِ الأَديم إِذا دُبِغَ ودُلِكَ دَلْكاً شَدِيدًا فَذَلِكَ مَعْسُه. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه سأَل أَين حِبْسُ سَيَل فإِنه يُوشِكُ أَن يَخْرُجَ مِنْهُ نَارٌ تُضِيءُ مِنْهَا أَعناق الإِبل بِبُصْرَى

؛ هُوَ مِنْ ذَلِكَ. وَقِيلَ: هُوَ فلُوقٌ فِي الحَرَّة يَجْتَمِعُ فِيهَا مَاءٌ لَوْ وَرَدَتْ عَلَيْهِ أُمَّة لَوَسِعَهُمْ. وحِبْسُ سَيَل: اسْمُ مَوْضِعٍ بِحَرَّةِ بَنِي سُلَيْمٍ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>