الْكَسْرُ لُغَةٌ وَاحِدَةٌ. وآيَسَه فُلَانٌ مِنْ كَذَا فاسْتَيْأَس مِنْهُ بِمَعْنَى أَيِسَ واتَّأَسَ أَيضاً، وَهُوَ افتَعَل فأُدغم مِثْلَ اتَّعَدَ. وَفِي حَدِيثِ
أُم مَعْبَدٍ: لَا يَأْسَ مِنْ طُولٍ
أَي أَنه لَا يُؤْيَسُ مِنْ طُولِهِ لأَنه كَانَ إِلى الطُّولِ أَقرب مِنْهُ إِلى الْقِصَرِ. واليَأْسُ: ضِدُّ الرَّجاء، وَهُوَ فِي الْحَدِيثِ اسْمٌ نَكِرَةٌ مَفْتُوحٌ بِلَا النَّافِيَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ الأَنباري فِي كِتَابِهِ: لَا يائِس مِنْ طُولٍ، فَقَالَ: مَعْنَاهُ لَا يُؤْيَس مِنْ أَجل طُولِهِ أَي لَا يَأْيَسُ مُطاوِلُه مِنْهُ لإِفراط طُولِهِ، فَيائِس بِمَعْنَى مَيْؤُوس كَمَاءٍ دافِق بِمَعْنَى مَدْفُوق. واليَأْسُ مِنَ السِّلُ لأَن صاحبه مَيْؤُوسٌ مِنْهُ. ويَئِسَ يَيْئِسُ ويَيْأَس: عَلِمَ مِثْلَ حَسِب يَحْسِبُ ويَحْسَب: قَالَ سُحَيْم بْنُ وَثِيلٍ اليَرْبُوعي، وَذَكَرَ بَعْضُ العلَماء أَنه لِوَلَدِهِ جَابِرِ بْنِ سُحَيْم بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيهِ: أَني ابنُ فَارِسِ زَهْدَم، وَزَهْدَمٌ فَرَسُ سُحَيْمٍ:
أَقُولُ لَهُمْ بالشِّعْبِ إِذ يَيْسِرُونَني: ... أَلم تَيْأَسُوا أَني ابْنُ فارِسِ زَهْدَم؟
يَقُولُ: أَلم تعْلموا، وَقَوْلُهُ يَيْسرونني مِنْ أَيسار الجَزُور أَي يَجْتَزِرُونني ويَقْتَسمونني، وَيُرْوَى يَأْسِرونني مِنَ الأَسْر، وأَما قَوْلُهُ إِذ يَيْسِرونني فإِنما ذَكَرَ ذَلِكَ لأَنه كَانَ وَقَعَ عَلَيْهِ سِباءٌ فَضَرَبُوا عَلَيْهِ بالمَيْسِر يَتَحَاسَبُونَ عَلَى قِسْمَةِ فِدائه، وَزَهْدَمٌ اسْمُ فَرَسٍ، وَرُوِيَ: أَني ابْنُ قَاتِلِ زَهْدَمٍ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ عَبْسٍ، فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ أَن يَكُونَ الشِّعْرُ لِسُحَيْمٍ؛ وَرَوِيَ هَذَا الْبَيْتَ أَيضاً فِي قَصِيدَةٍ أُخرى عَلَى هَذَا الرويِّ وَهُوَ:
أَقول لأَهل الشَّعب إِذ يَيْسِرُونَنِي: ... أَلم تيأَسوا أَني ابْنُ فَارِسِ لازِمِ؟
وصاحِب أَصْحابِ الكَنِيفِ، كأَنَّما ... سَقاهم بِكَفَّيْهِ سِمامَ الأَراقِمِ
وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيضاً يَكُونُ الشِّعْرُ لَهُ دُونَ وَلَدِهِ لِعَدَمِ ذِكْرِ زَهْدَم فِي الْبَيْتِ. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مَعْن: يَئِسْتُ بِمَعْنَى عَلِمْت لُغَةَ هَوازِن، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هِيَ لغةُ وَهْبِيل حَيٌّ مِنَ النَّخَع وَهُمْ رَهْطُ شَريكٍ، وَفِي الصِّحَاحِ فِي لُغَةِ النَّخَع. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً
؛ أَي أَفَلم يَعْلَم، وَقَالَ أَهل اللُّغَةِ: مَعْنَاهُ أَفلم يَعْلَمِ الَّذِينَ آمَنُوا عِلْمًا يَئِسوا مَعَهُ أَن يَكُونَ غَيْرَ مَا عَلِمُوهُ؟ وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَفلم يَيْأَس الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ إِيمان هؤُلاء الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بأَنهم لَا يُؤْمِنُونَ؟ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ:
كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يقرأُ: أَفلم يَتَبَيَّنِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَوْ يَشَاءُ اللَّه لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا
؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَتَبَ الْكَاتِبُ أَفلم يَيْأَس الَّذِينَ آمَنُوا، وَهُوَ نَاعِسٌ، وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هُوَ فِي الْمَعْنَى عَلَى تَفْسِيرِهِمْ إِلا أَن اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَوقع إِلى الْمُؤْمِنِينَ أَنه لَوْ شَاءَ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا، فَقَالَ: أَفلم ييأَسوا عِلْمًا، يَقُولُ يُؤْيِسهم الْعِلْمُ فَكَانَ فِيهِ الْعِلْمُ مُضْمَرًا كَمَا تَقُولُ فِي الْكَلَامِ: قَدْ يَئِسْتُ مِنْكَ أَن لَا تُفْلح، كأَنك قُلْتَ: قَدْ عَلَمْتُهُ عَلَمًا. وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قَالَ: يَيْأَسُ*
بِمَعْنَى عَلِم لُغَةً للنَّخَع
، قَالَ: وَلَمْ نَجِدْهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ إِلا عَلَى مَا فَسَّرْتُ، وَقَالَ أَبو إِسحق: الْقَوْلُ عِنْدِي فِي قَوْلِهِ: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا
مِنْ إِيمان هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّه بأَنهم لَا يؤْمنون لأَنه قَالَ: لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً، وَلُغَةٌ أُخرى: أَيِسَ يَأْيَسُ وآيَسْتُه أَي أَيْأَسْتُه، وَهُوَ اليَأْسُ والإِياسُ، وَكَانَ فِي الأَصل الإِيياسُ بِوَزْنِ الإِيعاس. وَيُقَالُ: اسْتَيْأَس بِمَعْنَى يَئِسَ، وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَةِ مَنْ قرأَ يَئِسَ، وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أَنه قرأَ
فَلَا تَايَسُوا
، بِلَا هَمْزٍ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: سَمِعْتُ غَيْرَ قَبِيلَةٍ يَقُولُونَ أَيِس يايَسُ، بِغَيْرِ همز. وإِلْياس: اسم.