للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يشعُروا بِالْحَيِّ الَّذِي فِيهِ الْكَلْبَةُ، فَلَمَّا سَمِعُوا نُبَاحَهَا عَلِمُوا أَن أَهلها هُنَاكَ فَعَطَفُوا عَلَيْهِمْ فَاسْتَبَاحُوهُمْ، فَذَهَبَتْ مَثَلًا، وَيُرْوَى هَذَا الْمَثَلُ: على أَهلها تجني بَرَاقِشُ؛ وَعَلَيْهِ قَوْلُ حَمْزَةَ بْنِ بِيضٍ:

لمْ تَكُنْ عَنْ جِنايَة لَحِقَتْني، ... لَا يَسارِي وَلَا يَميني جنَتْني

بَلْ جَناها أَخٌ عَلَيَّ كَرِيمٌ، ... وعَلى أَهْلِها بَرَاقِشُ تَجْني

قَالَ: وبَرَاقِشُ اسْمُ كَلْبَةٍ لِقَوْمٍ مِنَ الْعَرَبِ أُغِيرَ عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الأَيام فَهرَبوا وتَبِعَتْهم بَرَاقِشُ، فَرَجَعَ الَّذِينَ أَغاروا خَائِبِينَ وأَخذوا فِي طَلَبِهِمْ، فَسمِعَتْ بَرَاقِشُ وَقْعَ حوافرِ الْخَيْلِ فنَبَحَتْ فَاسْتَدَلُّوا عَلَى مَوْضِعِ نباحِها فاستَباحُوهم. وَقَالَ الشَّرْقي بْنُ القَطامي: بَرَاقِش امرأَة لُقْمَانَ بْنِ عَادٍ، وَكَانَ بَنُو أَبيه لَا يأْكلون لُحُومَ الإِبل، فأَصاب مِنْ بَرَاقِشَ غُلَامًا فَنَزَلَ لقمانُ عَلَى بَنِي أَبيها فأَوْلَمُوا وَنَحَرُوا جَزُوراً إِكراماً لَهُ، فَرَاحَتْ بَرَاقِشُ بِعَرْقٍ مِنَ الْجَزُورِ فدفَعَتْه لِزَوْجِهَا لقمانَ فأَكله، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ مَا تَعَرّقْتُ مثلَه قَطُّ طَيِّبًا فَقَالَتْ بَرَاقِشُ: هَذَا مِنْ لَحْمِ جَزُورٍ، قَالَ: أَوَلُحُومُ الإِبلِ كُلّها هَكَذَا فِي الطِّيب؟ قَالَتْ: نَعَم، ثُمَّ قَالَتْ لَهُ: جَمِّلْنا واجْتَمِل، فأَقبل لُقْمَانُ عَلَى إِبلِها وإِبلِ أَهلها فأَشرع فِيهَا وَفَعَلَ ذَلِكَ بَنُو أَبيه، فَقِيلَ: عَلَى أَهلها تَجْنِي بَرَاقِشُ، فَصَارَتْ مَثَلًا. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ بَرَاقِشُ اسْمُ امرأَة وَهِيَ ابْنَةُ مَلِك قَدِيمٍ خَرَجَ إِلى بَعْضِ مَغازِيه واسْتَخْلَفَها عَلَى مُلْكه فأَشار عَلَيْهَا بعضُ وُزَرائها أَن تَبْنيَ بِنَاءً تُذْكَرُ بِهِ، فبَنَتْ مَوْضِعَيْنِ يُقَالُ لَهُمَا بَرَاقِشُ ومَعِينٌ، فَلَمَّا قَدِمَ أَبوها قَالَ لَهَا: أَردتِ أَن يَكُونَ الذِّكْرُ لكِ دُوني، فأَمر الصُّنَّاع الذين بَنَوْهما بأَن يهدِموها، فَقَالَتِ الْعَرَبُ: عَلَى أَهلها تَجْنِي بَرَاقِشُ وَحَكَى أَبو حَاتِمٍ عَنِ الأَصمعي عَنْ أَبي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ أَن بَرَاقِشَ ومعينَ مَدِينَتَانِ بُنِيَتا فِي سَبْعِينَ أَو ثَمَانِينَ سَنَةً؛ قَالَ: وَقَدْ فَسَّرَ الأَصمعي بَرَاقِشَ وَمَعِينَ فِي شِعْرِ عَمْرِو بْنِ معديكرب وأَنهما مَوْضِعَانِ وَهُوَ:

دَعَانَا مِنْ بَرَاقِشَ أَو مَعِينٍ، ... فأَسْرَعَ واتْلأَبَّ بِنَا مَلِيع

وَفَسَّرَ اتلأَبّ باسْتقَام، والمَلِيعَ بِالْمُسْتَوِي مِنَ الأَرض، وبَرَاقِشُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:

تَسْتَنُّ بالضِّروِ مِنْ بَرَاقِشَ أَو ... هَيْلانَ، أَو ناضِرٍ مِنَ العُتُم

برنش: التَّهْذِيبُ فِي الرُّبَاعِيِّ: أَبو زَيْدٍ وَالْكِسَائِيُّ: مَا أَدري أَيُّ البَرَنْشاء هُوَ وأَيُّ البَرَنْساء هُوَ، مَمْدُودَانِ.

بشش: البَشّ: اللُّطْفُ فِي المسأَلة والإِقبالُ عَلَى الرجُل، وَقِيلَ: هُوَ أَن يَضْحَكَ لَهُ وَيَلْقَاهُ لِقَاءً جَمِيلًا، وَالْمَعْنَيَانِ مُقْتَرِبان. والبَشاشة: طَلَاقَةُ الْوَجْهِ. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّه عَلَيْهِ: إِذا اجْتَمَعَ الْمُسْلِمَانِ فتَذاكَرا غَفَرَ اللَّهُ لأَبَشِّهِما بِصاحِبه.

وَفِي حَدِيثِ

قَيْصَر: وَكَذَلِكَ الإِيمانُ إِذا خالطَ بشاشةَ الْقُلُوبِ

؛ بشاشةُ اللِّقَاءِ: الْفَرَحُ بِالْمَرْءِ وَالِانْبِسَاطُ إِليه والأُنس بِهِ. وَرَجُلٌ هَشٌّ بَشٌّ وَبَشَّاشٌ: طَلْق الْوَجْهِ طَيّب. وَقَدْ بَشِشْتُ بِهِ، بِالْكَسْرِ، أَبَشُّ بَشّاً وبَشاشَةً؛ قَالَ:

لَا يَعْدَم السائلُ مِنْهُ وِقْرا، ... وقَبْلَهُ بَشاشَةً وبِشْرا

ورُوِي بيتُ ذِي الرُّمَّةِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>