للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جَزِيرَةِ العَرَب وَلَكِنْ فِي التَّحريش بَيْنَهُمْ

أَي فِي حَمْلهم عَلَى الفِتَنِ والحُروب. وأَما الَّذِي وَرَدَ فِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّه عَلَيْهِ، فِي الْحَجِّ: فذهبْتُ إِلى رَسُولِ اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُحَرِّشاً عَلَى فاطمةَ

، فإِن التَّحْرِيشَ هَاهُنَا ذكرُ مَا يُوجِب عتابَه لَهَا. وحَرَشَ الضبَّ يَحْرِشُه حَرْشاً واحْتَرَشَه وتَحَرَّشَه وتحرَّش بِهِ: أَتى قَفا جُحْرِه فَقَعْقَعَ بِعصاه عَلَيْهِ وأَتْلَج طَرَفها فِي جُحْره، فإِذا سَمِعَ الصوتَ حَسِبَه دَابَّةً تُرِيدُ أَن تَدْخُلَ عَلَيْهِ، فَجَاءَ يَزْحَل عَلَى رِجْليه وعجُزِه مُقاتلًا وَيَضْرِبُ بذنَبه، فناهَزَه الرجُلُ أَي بَادَرَهُ فأَخَذ بذنَبه فضَبَّ عَلَيْهِ أَي شَدَّ القَبْض فَلَمْ يَقْدِرْ أَن يَفِيصَهُ أَي يُفْلِتَ مِنْهُ؛ وَقِيلَ: حَرْشُ الضَّبِّ صَيْدُه وَهُوَ أَن يُحَكَّ الجُحْر الَّذِي هُوَ فِيهِ يُتَحرَّشُ بِهِ، فإِذا أَحسَّه الضَّبُّ حَسِبَه ثُعْباناً، فأَخْرَج إِليه ذنبَه فيُصاد حِينَئِذٍ. قَالَ الْفَارِسِيُّ: قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ لُهوَ أَخْبَثُ مِنْ ضبٍّ حَرَشْته، وَذَلِكَ أَن الضبَّ رُبَّمَا اسْتَرْوَحَ فَخَدَع فَلَمْ يُقْدر عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ الِاحْتِرَاشِ، الأَزهري: قَالَ أَبو عُبَيْدٍ وَمِنْ أَمثالهم فِي مُخَاطَبَةِ الْعَالِمِ بِالشَّيْءِ مَنْ يُرِيدُ تَعْلِيمَهُ: أَتُعْلِمُني بضبٍّ أَنا حَرَشْتُه؟ ونَحْوٌ مِنْهُ قَوْلُهُمْ: كمُعَلِّمةٍ أُمَّها البِضَاع. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَمِنْ أَمثالهم: هَذَا أَجَلُّ مِنَ الحَرْش؛ وأَصل ذَلِكَ أَنّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقُولُ: قَالَ الضَّبُّ لِابْنِهِ يَا بُنَيّ احذَر الحَرْش، فَسَمِعَ يَوْمًا وقْعَ مِحْفارٍ عَلَى فَمِ الجُحر، فَقَالَ: بابَهْ «١» أَهذا الحَرْشُ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيّ هَذَا أَجلّ مِنَ الحَرْش؛ وأَنشد الْفَارِسِيُّ قَوْلَ كُثَيّر:

ومُحْتَرِش ضَبَّ العَدَاوَة مِنْهمُ، ... بِحُلْو الخَلى، حَرْشَ الضِّباب الخَوادِع

يُقَالُ: إِنه لَحُلْو الخَلى أَي حُلْو الْكَلَامِ؛ ووَضَع الحَرْشَ موضعَ الِاحْتِرَاشِ لأَنَّه إِذا احْتَرَشَه فَقَدْ حَرَشَه؛ وَقِيلَ: الحَرْش أَنْ تُهَيِّج الضبَّ فِي جُحْره، فإِذا خَرَجَ قَرِيبًا مِنْكَ هَدَمْتَ عَلَيْهِ بَقِيَّة الْجُحْرِ، تَقُولُ مِنْهُ: أَحْرَشْت الضَّبَّ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: حَرَشَ الضبَّ يَحْرِشه حَرْشاً صادَه، فَهُوَ حَارِشٌ للضِّباب، وَهُوَ أَن يُحَرّك يَدَهُ عَلَى جُحْرِهِ ليظُنَّه حَيَّة فيُخْرِج ذَنَبَه ليضْرِبَها فيأْخُذه. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

أَن رَجُلًا أَتاه بِضباب احْتَرَشها

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَالِاحْتِرَاشُ فِي الأَصل الجَمْع والكسْب والخِداع. وَفِي حَدِيثِ

أَبي حَثْمة فِي صِفَةِ التّمْر: وتُحْتَرَشُ بِهِ الضِّبابُ

أَي تُصطاد. يُقَالُ: إِن الضبَّ يُعْجَب بِالتَّمْرِ فيُحِبّه. وَفِي حَدِيثِ

الْمِسْوَرِ: مَا رأَيت رجُلًا ينفِر مِنَ الحَرْش مثلَه

، يَعْنِي مُعَاوِيَةَ، يُرِيدُ بالحَرْش الخديعةَ. وحارَشَ الضبُّ الأَفعى إِذا أَرادت أَن تَدْخل عَلَيْهِ فَقاتَلَها. والحَرْش: الأَثَر، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الأَثَر فِي الظَّهْر، وَجَمْعُهُ حِرَاش؛ وَمِنْهُ رِبْعِيّ بنُ حِراش وَلَا تَقُلْ خِراش، وَقِيلَ: الحِرَاش أَثَر الضرْب فِي البَعِير يبْرأُ فَلَا يَنْبُت لَهُ شَعر وَلَا وَبر. وحَرَش البعِيرَ بِالْعَصَا: حَكَّ فِي غارِبِه ليَمْشِيَ؛ قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الأَعراب يَقُولُ لِلْبَعِيرِ الَّذِي أَجْلَب دبَرُه فِي ظَهره: هَذَا بَعِيرٌ أَحْرَش وَبِهِ حَرَش؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

فَطَار بِكَفِّي ذُو حِرَاش مُشَمِّرٌ، ... أَحَذُّ ذلاذِيل العَسِيب قصِير

أَراد بِذِي حِرَاش جَمَلًا بِهِ آثَارُ الدَّبر. وَيُقَالُ: حَرَشْت جَرَبَ الْبَعِيرِ أَحْرِشُهُ حَرْشاً وخَرَشته خَرْشاً إِذا حكَكْتَه حَتَّى تقشَّر الْجِلْدُ الأَعلى فيَدْمى


(١). قوله [بابه] هكذا بالأَصل، وفي القاموس: يا أَبت إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>