للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِخْصَابًا؛ وقولُ الشَّاعِرِ أَنشده سِيبَوَيْهِ:

لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ أَرَى جَدَبَّا، ... فِي عامِنا ذا، بَعْدَ ما أَخْصَبَّا

فَرَوَاهُ هُنَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ؛ هُوَ كأَكْرَمَ وأَحسَنَ إلَّا أَنه قَدْ يُلْحَقُ فِي الوَقْفِ الحَرْفُ حَرْفاً آخَرَ مثلَه، فيشدَّد حِرْصاً عَلَى البيانِ، لِيُعْلَم أَنه فِي الوَصْل مُتَحَرِّك، مِنْ حَيْثُ كَانَ الساكِنانِ لَا يَلْتَقِيانِ فِي الوَصْل، فَكَانَ سبيلُه إِذَا أَطْلَق الْبَاءَ، أَن لَا يُثَقِّلَها، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ الوقفُ فِي غالِب الأَمر إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْبَاءِ، لَمْ يَحْفِل بالأَلف، الَّتِي زِيدَتْ عَلَيْهَا، إِذْ كَانَتْ غيرَ لازمةٍ فثَقَّل الحَرْفَ، عَلَى مَنْ قَالَ: هَذَا خَالِدّْ، وفَرَجّ، ويجْعَلّ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الضَّمُّ لَازِمًا، لأَن النَّصْبَ وَالْجَرَّ يُزِيلانِه، لَمْ يُبالوا بِهِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَحَدَّثَنَا أَبو عَلِيٍّ أَن أَبا الْحَسَنِ رَوَاهُ أَيضاً: بعد ما إخْصَبَّا، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وقطَعها ضَرُورَةً، وأَجراه مُجْرَى اخْضَرَّ، وازْرَقَّ وغيرِه منَ افْعَلَّ، وَهَذَا لَا يُنْكَر، وَإِنْ كَانَتِ افْعَلَّ للأَلوانِ، أَلا تَرَاهُمْ قَدْ قَالُوا: اصْوابَّ، وامْلاسَّ، وارْعَوَى، واقْتَوَى؟ وأَنشدَنا لِيَزيد بْنِ الحَكَمِ:

تَبَدَّلْ خَلِيلًا بِي، كَشَكْلِكَ شَكْلُهُ، ... فَإني، خَلِيلًا صَالِحًا، بكَ، مُقْتَوِي

فمِثالُ مُقْتَوِي مُفْعَلٌّ، مِنَ القَتْوِ، وَهُوَ الخِدْمةُ، وَلَيْسَ مُقْتَوٍ بمُفْتَعِلٍ، مِن القُوَّةِ، وَلَا مِن القَواءِ والقِيِّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرو بْنِ كُلْثُوم:

مَتَى كُنَّا لأُمِّكَ مَقْتَوِينا؟

وَرَوَاهُ أَبو زَيْدٍ أَيضاً: مَقْتَوَيْنا، بِفَتْحِ الْوَاوِ. ومكانٌ مُخصِبٌ وخَصيبٌ، وأَرض خِصْبٌ، وأَرَضُون خِصْبٌ، والجمعُ كَالْوَاحِدِ، وَقَدْ قَالُوا أَرَضُون خِصْبةٌ، بِالْكَسْرِ، وخَصْبةٌ، بِالْفَتْحِ: فَإما أَن يَكُونَ خَصْبةٌ مَصْدَرًا وُصِفَ بِهِ، وَإِمَّا أَن يَكُونَ مُخَفَفًا مِنْ خَصِبةٍ. وَقَدْ قَالُوا أَخصابٌ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي، يُقَالُ: بَلَدٌ خِصْبٌ وبَلَدٌ أَخْصابٌ، كَمَا قَالُوا: بَلدٌ سَبْسَبٌ، وبلدٌ سَباسِبٌ، ورُمْح أَقصادٌ، وَثَوْبٌ أَسْمالٌ وأَخْلاقٌ، وبُرْمةٌ أَعشارٌ، فَيَكُونُ الْوَاحِدُ يُراد بِهِ الجمعُ، كأَنَّهم جَعَلُوهُ أَجْزاء. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أَخْصَبَتِ الأَرضُ خِصْباً وَإِخْصَابًا، قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِشيءٍ لأَنّ خِصْباً فعْلٌ، وأَخْصَبَتْ أَفْعَلَتْ؛ وفِعلٌ لَا يَكُونُ مَصْدَرًا لأَفْعَلَتْ. وَحَكَى أَبو حَنِيفَةَ: أَرض خَصِيبةٌ وخَصِبٌ، وَقَدْ أَخْصَبَتْ وخَصِبَتْ، قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الأَخيرة عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ، وعيشٌ خَصِبٌ مُخصِبٌ، وأَخْصَبَ القومُ: نَالُوا الخِصْبَ، وَصَارُوا إِلَيْهِ، وأَخْصَب جَنابُ الْقَوْمِ، وَهُوَ مَا حَوْلَهُمْ. وَفُلَانٌ خَصِيبُ الجنابِ أَي خَصِيبُ الناحِيةِ. والرجلُ إِذَا كَانَ كَثِيرَ خَيرِ المنزِلِ يُقَالُ: إِنَّهُ خَصِيبُ الرَّحْل. وأَرضٌ مِخْصابٌ: لَا تَكَادُ تُجْدِبُ، كَمَا قَالُوا فِي ضِدِّهَا: مِجْدابٌ. وَرَجُلٌ خَصِيبٌ: بَيِّنُ الخِصْبِ، رَحْبُ الجَنابِ، كَثيرُ الخَير. ومَكانٌ خَصِيبٌ: مِثْلُه؛ وَقَالَ لَبِيدٌ:

هَبَطَا تَبالةَ مُخْصِباً أَهْضامُها

والمُخْصِبةُ: الأَرضُ المُكْلِئَةُ، والقومُ أَيضاً مُخْصِبُون إِذَا كَثُرَ طَعامُهم ولَبَنُهُم، وأَمْرَعَتْ بِلادُهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>