يُصَوِّتُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ
؛ أَي جعلَه يُسْمَعُ لَهُ نَقِيضٌ مِنْ ثِقَلِه. وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَثْقل ظَهْرَكَ، قَالَ ذَلِكَ مُجَاهِدٌ وقتادةُ، والأَصل فِيهِ أَن الظَّهْرَ إِذا أَثقله الحِمل سُمع لَهُ نَقِيض أَي صَوْتٌ خَفِيٌّ كَمَا يُنْقِض الرَّجل لِحِمَارِهِ إِذا ساقَه، قَالَ: فأَخبر اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنه غَفَرَ لِنَبِيِّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوزارَه الَّتِي كَانَتْ تَرَاكَمَتْ عَلَى ظَهْرِهِ حَتَّى أَثقلته، وأَنها لَوْ كَانَتْ أَثقالًا حُمِلَتْ عَلَى ظَهْرِهِ لَسُمِعَ لَهَا نَقِيضٌ أَي صَوْتٌ؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ، عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: هَذَا الْقَوْلُ فِيهِ تسَمُّح فِي اللَّفْظِ وَإِغْلَاظٌ فِي النُّطْقِ، وَمِنْ أَين لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوزار تَتَرَاكَمُ عَلَى ظَهْرِهِ الشَّرِيفِ حَتَّى تُثْقِلَهُ أَو يُسْمَعَ لَهَا نَقِيضٌ وَهُوَ السَّيِّدُ الْمَعْصُومُ الْمُنَزَّهُ عَنْ ذَلِكَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَلَوْ كَانَ، وَحَاشَ لِلَّهِ، يأْتي بِذُنُوبٍ لَمْ يَكُنْ يَجِدُ لَهَا ثِقَلًا فإِن اللَّهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لَهُ مَا تقدَّم مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تأَخر، وإِذا كَانَ غَفَرَ لَهُ مَا تأَخر قَبْلَ وُقُوعِهِ فأَين ثِقَلُهُ كالشرِّ إِذا كَفَاهُ اللَّهُ قَبْلَ وُقوعه فَلَا صُورة لَهُ وَلَا إِحْساسَ بِهِ، وَمِنْ أَين للمفسِّر لَفْظُ الْمَغْفِرَةِ هُنَا؟ وإِنما نَصُّ التِّلَاوَةِ ووَضَعْنا، وَتَفْسِيرُ الوِزْر هُنَا بالحِمل الثَّقِيلِ، وَهُوَ الأَصل فِي اللُّغَةِ، أَولى مِنْ تَفْسِيرِهِ بِمَا يُخْبَر عَنْهُ بِالْمَغْفِرَةِ وَلَا ذِكْرَ لَهَا فِي السُّورَةِ، وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَنه عَزَّ وَجَلَّ وَضْعَ عَنْهُ وِزْرَهُ الَّذِي أَنقض ظَهْرَهُ مِنْ حَمْلِه هَمَّ قُرَيْشٍ إِذ لَمْ يُسْلِمُوا، أَو هَمَّ الْمُنَافِقِينَ إِذ لَمْ يُخْلِصوا، أَو هَمَّ الإِيمانِ إِذ لَمْ يُعمّ عَشِيرَتَهُ الأَقربين، أَو هَمَّ العالَمِ إِذْ لَمْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ مُؤْمِنِينَ، أَو هَمَّ الْفَتْحِ إِذ لَمْ يعجَّل لِلْمُسْلِمِينَ، أَو هُمُومَ أُمته الْمُذْنِبِينَ، فَهَذِهِ أَوزاره الَّتِي أَثقلت ظَهْرَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَغْبَةً فِي انْتِشَارِ دَعْوَتِهِ وخَشْيةً عَلَى أُمته وَمُحَافَظَةً عَلَى ظُهُورِ مِلَّتِهِ وحِرْصاً عَلَى صَفَاءِ شِرْعته، وَلَعَلَّ بَيْنَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً، مُنَاسَبَةً مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، وإِلا فَمِنْ أَين لِمَنْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تأَخَّر ذُنُوبٌ؟ وَهَلْ مَا تقدَّم وَمَا تأَخَّر مِنْ ذَنْبِهِ الْمَغْفُورِ إِلا حَسَنَاتُ سِوَاهُ مِنَ الأَبْرار يَرَاهَا حَسَنَةً وَهُوَ سَيِّدُ الْمُقَرَّبِينَ يَرَاهَا سَيِّئَةً، فالبَرُّ بِهَا يتقرَّب والمُقَرَّبُ مِنْهَا يَتُوبُ؛ وَمَا أَوْلى هَذَا الْمَكَانَ أَن يُنْشَد فِيهِ:
ومِنْ أَيْنَ للوجْهِ الجَمِيل ذُنوب
وَكُلُّ صَوْتٍ لمَفْصِل وإِصْبَع، فَهُوَ نَقِيضٌ. وَقَدْ أَنْقَضَ ظهرُ فُلَانٍ إِذا سُمع لَهُ نَقِيض؛ قَالَ:
وحُزْن تُنْقِضُ الأَضْلاعُ مِنْهُ، ... مُقِيم فِي الجَوانِحِ لنْ يَزُولا
ونَقِيضُ المِحْجَمةِ: صَوْتُهَا إِذا شدَّها الحَجّامُ بمَصِّه، يُقَالُ: أَنْقَضَتِ المِحْجَمةُ؛ قَالَ الأَعشى:
زَوَى بينَ عَيْنَيْه نَقِيضُ المَحاجِم
وأَنْقَضَ الرَّحْلُ إِذا أَطَّ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ وشبَّه أَطِيطَ الرِّحالِ بأَصوات الْفَرَارِيجِ:
كأَنَّ أَصْواتَ، مِنْ إِيغالِهِنَّ بِنا، ... أَواخِرِ المَيْسِ، إِنْقاضُ الفَرارِيجِ
قَالَ الأَزهري: هَكَذَا أَقرأَنِيه المُنْذِري رِوَايَةً عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ، وَفِيهِ تَقْدِيمٌ أُريد التأْخير، أَراد كأَنَّ أَصواتَ أَواخِرِ المَيْسِ إِنْقاضُ الْفَرَارِيجِ إِذا أَوْغَلَت الرِّكابُ بِنَا أَي أَسْرَعَت، ونَقِيضُ الرِّحَالِ والمَحامِل والأَدِيمِ والوَتَرِ: صوتُها مِنْ ذَلِكَ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute