وَذَلِكَ إِذا أَذِن السُّلْطَانُ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَخْتَطُّوا الدُّورَ فِي مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ وَيَتَّخِذُوا فِيهِ مَساكِنَ لَهُمْ كَمَا فَعَلُوا بِالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ، وإِنما كُسِرَتِ الْخَاءُ مِنَ الخِطَّة لأَنها أُخرجت عَلَى مَصْدَرٍ بُني عَلَى فِعْلِهِ «١»، وَجَمْعُ الخِطَّةِ خِطَطٌ. وَسُئِلَ إِبراهيمُ الحَربيّ عَنْ حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه وَرَّث النِّسَاءَ خِطَطَهُنَّ دُونَ الرِّجال، فَقَالَ: نَعَم كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، أَعْطَى نِساء خِطَطاً يَسْكُنَّها فِي الْمَدِينَةِ شبْه القَطائِع، منهنَّ أُمُّ عَبْدٍ، فَجَعَلَهَا لهنَّ دُونَ الرِّجال لَا حَظَّ فِيهَا لِلرِّجَالِ.
وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ أَنه يُقَالُ خِطٌّ للمكَان الَّذِي يَخْتَطُّه لِنَفْسِهِ، مِنْ غَيْرِ هَاءٍ، يُقَالُ: هَذَا خِطُّ بَنِي فُلَانٍ. قَالَ: والخُطُّ الطَّرِيقُ، يُقَالُ: الزَمْ هَذَا الخُطَّ، قَالَ: ورأَيته فِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ الْخَاءِ. ابْنُ شُمَيْلٍ: الأَرضُ الخَطيطةُ الَّتِي يُمْطَرُ مَا حَوْلَها وَلَا تُمْطَر هِيَ، وَقِيلَ: الخَطِيطةُ الأَرض الَّتِي لَمْ تُمْطَرْ بَيْنَ أَرْضَين مَمْطورَتَين، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي مُطِر بعضُها. وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ جَعَلَ أَمْرَ امْرأَتِه بيدِها فَقَالَتْ لَهُ: أَنتَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خطَّ اللَّهُ نَوْءَها أَلَّا طَلَّقَتْ نفسَها ثَلَاثًا
وَرُوِيَ:
خَطَّأَ اللهُ نَوْءَها
، بِالْهَمْزِ، أَي أَخْطأَها الْمَطَرُ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَنْ رَوَاهُ خَطَّ اللَّهُ نوْءَها جَعَلَهُ مِنَ الخَطِيطةِ، وَهِيَ الأَرض الَّتِي لَمْ تُمْطَرْ بَيْنَ أَرضين مَمْطُورَتَيْنِ، وَجَمْعُهَا خَطائطُ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي ذَرٍّ فِي الخَطائطِ: تَرْعَى الخَطائطَ ونَرِدُ المَطائطَ
؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدَةَ لِهَمْيَانَ بْنِ قُحافةَ:
عَلَى قِلاصٍ تَخْتَطِي الخَطائطَا، ... يَتْبَعْنَ مَوَّارَ المِلاطِ مَائِطَا
وَقَالَ البَعِيثُ:
أَلا إِنَّما أَزْرَى بحَارَك عامِداً ... سُوَيْعٌ، كخطَّافِ الخَطِيطةِ، أَسْحَمُ
وَقَالَ الْكُمَيْتُ:
قِلاتٌ بالخَطِيطةِ جاوَرَتْها، ... فَنَضَّ سِمالُها، العَيْنُ الذَّرُورُ
القِلاتُ: جَمْعُ قَلْتٍ للنُّقْرة فِي الْجَبَلِ، والسِّمالُ: جَمْعُ سَمَلةٍ وَهِيَ البقِيَّةُ مِنَ الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ النَّضِيضةُ البقيةُ مِنَ الْمَاءِ، وسمالُها مُرْتَفِعٌ بنَضَّ، والعينُ مُرْتَفِعٌ بجاورَتْها، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَما مَا حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْعَرَبِ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ الْزَمْ خَطِيطةَ الذُّلِّ مَخافةَ مَا هُوَ أَشدُّ مِنْهُ، فإِنَّ أَصل الخَطِيطةِ الأَرضُ الَّتِي لَمْ تُمْطَرْ، فَاسْتَعَارَهَا للذلِّ لأَن الْخَطِيطَةَ مِنَ الأَرضين ذَلِيلَةٌ بِمَا بُخِسَتْه مِنْ حَقِّهَا. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أَرض خِطٌّ لَمْ تُمْطَر وَقَدْ مُطر مَا حولَها. والخُطَّةُ، بِالضَّمِّ: شِبْه القِصَّة والأَمْرُ. يُقَالُ: سُمْتُه خُطَّةَ خَسْفٍ وخُطَّة سَوْء؛ قَالَ تأَبَّط شَرّاً:
هُما خُطَّتا: إِمَّا إِسارٌ ومِنَّةٌ، ... وإِمَّا دَمٌ، والقَتْلُ بالحُرِّ أَجْدَرُ
أَراد خُطَّتانِ فَحَذَفَ النُّونَ اسْتِخْفافاً. وَفِي حَدِيثِ الْحُدَيْبِيَةِ:
لَا يَسْأَلوني خُطَّةً يُعَظّمون فِيهَا حُرُماتِ اللَّهِ إِلَّا أَعطَيتهم إِيَّاها
، وَفِي حَدِيثِهَا أَيضاً:
إِنه قَدْ عرَض عَلَيْكُمْ خُطَّة رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا
أَي أَمراً وَاضِحًا فِي الهُدَى والاسْتِقامةِ. وَفِي رأْسِه خُطَّةٌ أَي أَمْرٌ
(١). قوله [على فعله] كذا في الأَصل وشرح القاموس بدون نقط لما بعد اللام، وعبارة المصباح: وإنما كسرت الخاء لأَنها أُخرجت عَلَى مَصْدَرٍ افتعل مثل اختطب خطبة وارتد ردّة وافترى فرية.