لَمَّا أَحلَّ الشيْبُ بِي أَثْقالَه، ... وعَلمتُ أَنَّ شَبابيَ المَسْلُوبُ
قالَتْ: كَبِرْتَ وكلُّ صاحِبِ لَذَّةٍ ... لِبِلًى يَعُودُ، وَذَلِكَ التَّتْبيبُ
هَلْ لِي مِنَ الكِبَر المُبينِ طَبيبُ ... فأَعُودَ غِرّاً؟ والشَّبابُ عَجِيبُ
ذَهَبَتْ لِداتي والشَّبابُ، فليْسَ لِي، ... فِيمن تَرَيْنَ مِنَ الأَنامِ، ضَرِيبُ
وإِذا السِّنُونَ دَأَبْنَ فِي طَلَب الفَتَى، ... لحِقَ السِّنُونَ وأُدْرِكَ المَطْلُوبُ
فاذْهَبْ إِلَيْكَ، فليْسَ يَعْلَمُ عالمٌ، ... مِنْ أَين يُجْمَعُ حَظُّه المَكْتُوبُ
يَسْعَى الفَتَى لِينالَ أَفْضَلَ سَعْيهِ، ... هيهاتَ ذاكَ ودُون ذَاكَ خُطوبُ
يَسْعَى ويَأْمُلُ، والمَنِيَّةُ خَلْفَه، ... تُوفي الإِكامَ لَهُ، عَلَيْهِ رَقِيبُ
لَا المَوْتُ مُحْتَقِرُ الصَّغِيرِ فعادلٌ ... عنْه، وَلَا كِبَرُ الكَبِيرِ مَهِيبُ
ولَئِنْ كَبِرْتُ، لَقَدْ عَمِرْتُ كأَنَّني ... غُصْنٌ، تُفَيِّئُه الرِّياحُ، رَطِيبُ
وكذاكَ حَقًّا مَنْ يُعَمَّرْ يُبْلِه ... كَرُّ الزَّمانِ، عَلَيْهِ، والتَّقْلِيبُ
حَتَّى يَعُودَ مِنَ البِلى، وكأَنَّه ... فِي الكَفِّ أَفْوَقُ ناصِلٌ مَعْصُوبُ
مُرُطُ القِذاذِ، فَلَيْسَ فِيهِ مَصْنَعٌ، ... لَا الرِّيشُ يَنْفَعُه، وَلَا التَّعْقِيبُ
ذَهَبَتْ شَعُوبُ بِأَهْلهِ وبِمالهِ، ... إِنَّ المَنايا لِلرِّجال شَعُوبُ
والمَرْءُ مِنْ رَيْبِ الزَّمان كأَنه ... عَوْدٌ، تَداوَلَه الرِّعاء، رَكُوبُ
غَرَضٌ لِكُلِّ مَنِيَّةٍ يُرْمَى بِهَا، ... حَتَّى يُصابَ سَوادُه المَنْصوبُ
وَجَمْعُ المُرُطِ السَّهْمِ أَمراطٌ ومِراطٌ؛ قَالَ الرَّاجز:
صُبَّ، عَلَى شَاءِ أَبي رِياطِ، ... ذُؤالةٌ كالأَقْدُحِ المِراطِ
وأَنشد ثَعْلَبٌ:
وهُنَّ أَمْثالُ السُّرَى الأَمْراطِ
والسُّرَى هَاهُنَا: جَمْعُ سُرْوةٍ مِنَ السّهَام؛ وَقَالَ الْهُذَلِيُّ:
إِلَّا عَوابِسُ، كالمِراطِ، مُعِيدةٌ ... باللَّيْلِ مَوْرِدَ أَيِّمٍ مُتَغَضِّفِ «١»
وَشَرْحُ هَذَا الْبَيْتِ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وتمَرَّط السَّهْمُ: خَلَا مِنَ الرِّيش. وَفِي حَدِيثِ
أَبي سُفيان: فامَّرَطَ قُذَذُ السهْمِ
أَي سقَطَ رِيشُه. وتمرَّطتْ أَوْبارُ الإِبل: تَطَايَرَتْ وَتَفَرَّقَتْ. وأَمْرَطَ الشعرُ: حَانَ لَهُ أَن يُمْرَطَ. وأَمْرطَتِ الناقةُ ولدَها، وَهِيَ مُمْرِطٌ: أَلقته لِغَيْرِ تَمَامٍ وَلَا شَعْرَ عَلَيْهِ، فإِن كَانَ ذَلِكَ لَهَا عَادَةً فَهِيَ مِمْراطٌ. وأَمْرطت النخلةُ وَهِيَ مُمْرِطٌ: سَقَطَ بُسْرُها غَضّاً
(١). قوله [عوابس] هو بالرفع فَاعِلُ يَشْرَبُ فِي الْبَيْتِ قبله كما نبه عليه المؤلف عن ابن بري في مادة صيف، فما تقدم لنا من ضبطه في مادة عود خطأ.