للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْفَارِسِيُّ: ويُقوّي ذَلِكَ قَوْلُ المَرّار الأَسدي:

فَلَا يَسْتَحْمدُون الناسَ أَمْراً، ... ولكِنْ ضَرْبَ مُجْتَمَعِ الشُّؤُونِ

وَحُكِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ: وَسَط الشَّيْءِ، بِالْفَتْحِ، إِذا كَانَ مُصْمَتاً، فإِذا كَانَ أَجزاء مُخَلْخَلة فَهُوَ وسْط، بالإِسكان، لَا غَيْرَ. وأَوْسَطُه: كوَسَطِه، وَهُوَ اسْمٌ كأَفْكَلٍ وأَزْمَلٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ وَقَوْلُهُ:

شَهْم إِذا اجْتَمَعَ الكُماةُ، وأُلْهِمَتْ ... أَفْواهُها بأَواسِطِ الأَوْتار

فَقَدْ يَكُونُ جَمْعَ أَوْسَطٍ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ جَمَعَ واسِطاً عَلَى وواسِطَ، فَاجْتَمَعَتْ وَاوَانِ فهمَز الأُولى. الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ جَلَسْتُ وسْط الْقَوْمِ، بِالتَّسْكِينِ، لأَنه ظَرْفٌ، وَجَلَسْتُ وسَط الدَّارِ، بِالتَّحْرِيكِ، لأَنه اسْمٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلرَّاجِزِ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ العَشِيَّ والسفَرْ، ... ووَسَطَ الليلِ وساعاتٍ أُخَرْ

قَالَ: وكلُّ مَوْضِعٍ صلَح فِيهِ بَيْن فَهُوَ وسْط، وإِن لَمْ يصلح فيه بين فهو وسَط، بِالتَّحْرِيكِ، وَقَالَ: وَرُبَّمَا سَكَنَ وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ كَقَوْلِ أَعْصُرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ عَيْلانَ:

وقالوا يا لَ أَشْجَعَ يَوْمَ هَيْجٍ، ... ووَسْطَ الدّارِ ضَرْباً واحْتِمايا

قَالَ الشَّيْخُ أَبو مُحَمَّدِ بْنُ بَرِّيٍّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، هُنَا شَرْحٌ مُفِيدٌ قَالَ: اعْلَمْ أَنّ الوسَط، بِالتَّحْرِيكِ، اسْمٌ لِمَا بَيْنَ طَرَفَيِ الشَّيْءِ وَهُوَ مِنْهُ كَقَوْلِكَ قَبَضْت وسَط الحبْل وَكَسَرْتُ وسَط الرُّمْحِ وَجَلَسْتُ وسَط الدَّارِ، وَمِنْهُ الْمَثَلُ: يَرْتَعِي وسَطاً ويَرْبِضُ حَجْرةً أَي يرْتَعِي أَوْسَطَ المَرْعَى وخِيارَه مَا دَامَ القومُ فِي خَيْرٍ، فإِذا أَصابهم شَرٌّ اعتَزلهم ورَبَضَ حَجرة أَي نَاحِيَةً مُنْعَزِلًا عَنْهُمْ، وَجَاءَ الْوَسَطُ مُحَرَّكًا أَوسَطُه عَلَى وَزَانٍ يقْتَضِيه فِي الْمَعْنَى وَهُوَ الطرَفُ لأَنَّ نَقِيض الشَّيْءِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلة نظِيره فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَوزان نَحْوُ جَوْعانَ وشَبْعان وَطَوِيلٍ وَقَصِيرٍ، قَالَ: وَمِمَّا جَاءَ عَلَى وَزَانٍ نَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ الحَرْدُ لأَنه عَلَى وِزَانِ القَصْد، والحَرَدُ لأَنه عَلَى وَزَانٍ نَظِيرِهِ وَهُوَ الغضَب. يُقَالُ: حَرَد يَحْرِد حَرْداً كما يُقَالُ قصَد يقْصِد قَصْدًا، وَيُقَالُ: حَرِدَ يَحْرَدُ حرَداً كَمَا قَالُوا غَضِبَ يَغْضَبُ غضَباً؛ وَقَالُوا: العَجْم لأَنه عَلَى وَزَانِ العَضّ، وَقَالُوا: العَجَم لِحَبِّ الزَّبِيبِ وَغَيْرِهِ لأَنه وَزَانِ النَّوَى، وَقَالُوا: الخِصْب والجَدْب لأَن وِزَانَهُمَا العِلْم والجَهل لأَن الْعِلْمَ يُحيي النَّاسُ كَمَا يُحييهم الخِصْب والجَهل يُهلكهم كَمَا يُهْلِكُهُمُ الجَدب، وَقَالُوا: المَنْسِر لأَنه عَلَى وِزَانِ المَنْكِب، وقالوا: المِنْسَر لأَنه على وَزَانِ المِخْلَب، وَقَالُوا: أَدْلَيْت الدَّلْو إِذا أَرسلتها فِي الْبِئْرِ، وَدَلَوْتُها إِذا جَذَبْتها، فَجَاءَ أَدْلى عَلَى مِثَالٍ أَرسل ودَلا عَلَى مِثَالِ جَذَب، قَالَ: فَبِهَذَا تَعْلَمُ صِحَّةَ قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الضَّرّ والضُّر وَلَمْ يَجْعَلْهُمَا بِمَعْنًى فَقَالَ: الضَّر بإِزاء النَّفْعِ الَّذِي هُوَ نَقِيضُهُ، والضُّر بإِزاء السُّقْم الَّذِي هُوَ نَظِيرُهُ فِي الْمَعْنَى، وَقَالُوا: فَادٍ يَفِيد جَاءَ عَلَى وِزَانِ ماسَ يَمِيس إِذا تَبَخْتَرَ، وَقَالُوا: فادَ يَفُود عَلَى وِزَانِ نَظِيرِهِ وَهُوَ مَاتَ يَمُوتُ، والنَّفاقُ فِي السُّوق جَاءَ عَلَى وَزَانِ الكَساد، والنِّفاق فِي الرَّجُلِ جَاءَ عَلَى وِزَانِ الخِداع، قَالَ: وَهَذَا النحوُ فِي كَلَامِهِمْ كَثِيرٌ جِدًّا؛ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنّ الوسَط قَدْ يأْتي صِفَةً، وإِن كَانَ أَصله أَن يَكُونَ اسْمًا مِنْ جِهَةِ أَن أَوسط الشَّيْءَ أَفضله وَخِيَارُهُ كوسَط الْمَرْعَى خيرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>