للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنَ السَّمَاوَاتِ الْعُلَا، فَلَمَّا نَزَلَ جِبْرِيلُ إِلى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْوَحْيِ أَوّلَ مَا بُعث ظَنَّتِ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ أَنه نَزَلَ لِقِيَامِ السَّاعَةِ فَفَزِعَت لِذَلِكَ، فَلَمَّا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنه نَزَلَ لِغَيْرِ ذَلِكَ كُشِفَ الفَزَعُ عَنْ قُلُوبِهِمْ، فأَقبلوا عَلَى جِبْرِيلَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ لَهُمْ: مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ فسأَلَتْ لأَيّ شَيْءٍ نَزَلَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قالُوا: الْحَقَّ أَي قَالُوا قَالَ الحَقَّ؛ وقرأَ الْحَسَنُ

فُزِعَ

أَي فَزِعَتْ مِنَ الفَزَعِ. وَفِي حَدِيثِ

عَمْرِو بْنِ مَعْدِيكَرِبَ: قَالَ لَهُ الأَشعث: لأُضْرِطَنَّكَ فَقَالَ: كَلَّا إِنها لَعَزُومٌ مُفَزَّعةٌ

أَي صَحِيحَةٌ تَنْزِلُ بِهَا «٢» الأَفْزاعُ. والمُفَزَّعُ: الَّذِي كُشِفَ عَنْهُ الفَزَعُ وأُزِيلَ. وَرَجُلٌ فَزِعٌ، وَلَا يُكَسَّرُ لِقِلَّةِ فَعِلٍ فِي الصِّفَةِ وإِنما جَمْعُهُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ، وفازِعٌ وَالْجَمْعُ فَزَعةٌ، وفَزَّاعةٌ: كَثِيرُ الفَزَعِ، وفَزَّاعةٌ أَيضاً: يُفَزِّعُ الناسَ كَثِيرًا. وفازَعَه فَفَزَعَه يَفْزَعُه: صَارَ أَشدَّ فَزَعاً مِنْهُ. وفَزِعَ إِلى الْقَوْمِ: اسْتَغَاثَهُمْ. وفَزِعَ القومَ وفَزَعَهم فَزْعاً وأَفْزعَهم: أَغاثَهم؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

إِذا فَزِعُوا طارُوا إِلى مُسْتَغِيثِهمْ، ... طِوالَ الرِّماحِ، لَا ضِعافٌ وَلَا عُزْلُ

وَقَالَ الكَلْحَبةُ اليَرْبُوعيُّ، وَاسْمُهُ هُبَيْرَةُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ والكَلْحَبةُ أُمُّه:

فقُلْتُ لكَأْسٍ: أَلْجِمِيها فإِنَّما ... حَلَلْتُ الكَثِيبَ مِنْ زَرُودٍ لأَفْزَعا «٣»

أَي لِنُغِيثَ ونُصْرِخَ مَنِ اسْتَغاثَ بنا؛ مثله لِلرَّاعِي:

إِذا مَا فَزِعْنا أَو دُعِينا لِنَجْدةٍ، ... لَبِسْنا عَلَيْهِنَّ الحَدِيدَ المُسَرَّدا

فَقَوْلُهُ فَزِعْنا أَي أَغَثنا؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ هُوَ الشَّمّاخُ:

إِذا دَعَتْ غَوْثَها ضَرّاتُها فَزِعَتْ ... أَعْقابُ نَيٍّ، عَلَى الأَثْباجِ، مَنْضُودِ

يَقُولُ: إِذا قَلَّ لَبَنُ ضَرّاتها نَصَرَتْها الشُّحومُ الَّتِي عَلَى ظُهُورِهَا وأَغاثَتْها فأَمدّتْها بِاللَّبَنِ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ مَفْزَعةٌ، بِالْهَاءِ، يَسْتَوِي فِيهِ التَّذْكِيرُ والتأْنيث إِذا كَانَ يُفْزَعُ مِنْهُ. وفَزِعَ إِليه: لَجَأَ، فَهُوَ مَفْزَعٌ لِمَنْ فَزِعَ إِليه أَي مَلْجَأٌ لِمَنِ التَجَأَ إِليه. وَفِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ:

فافْزَعُوا إِلى الصلاة

أي الجَؤُوا إِليها واستَعِينُوا بِهَا عَلَى دَفْعِ الأَمرِ الحادِثِ. وَتَقُولُ: فَزِعْتُ إِليك وفَزِعْتُ مِنْكَ وَلَا تَقُلْ فَزِعْتُكَ. والمَفْزَعُ والمَفْزَعةُ: الْمَلْجَأُ، وَقِيلَ: الْمُفْزِعُ الْمُسْتَغَاثُ بِهِ، وَالْمُفْزِعَةُ الَّذِي يُفزع مِنْ أَجله، فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا، قَالَ الْفَرَّاءُ: المُفَزَّعُ يَكُونُ جَباناً وَيَكُونُ شُجاعاً، فَمَنْ جَعَلَهُ شُجَاعًا مَفْعُولًا بِهِ قَالَ: بِمِثْلِهِ تُنْزَلُ الأَفزاع، وَمَنْ جَعَلَهُ جَبَانًا جَعَلَهُ يَفْزَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ: وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِمْ لِلرَّجُلِ إِنه لَمُغَلَّبٌ وَهُوَ غالبٌ، ومُغَلَّبٌ وَهُوَ مغلوبٌ. وَفُلَانٌ مَفْزَعُ الناسِ وامرأَة مَفْزَعٌ وَهُمْ مَفْزَعٌ: مَعْنَاهُ إِذا دَهَمَنا أَمر فَزِعْنا إِليه أَي لَجَأْنا إِليه وَاسْتَغَثْنَا بِهِ. والفَزَعُ أَيضاً: الإِغاثةُ؛

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم للأَنصار: إِنكم لَتَكْثُرُونَ عِنْدَ الفَزَعِ وتَقِلُّونَ عِنْدَ الطمَعِ

أَي تَكْثُرُونَ عِنْدَ الإِغاثة، وَقَدْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ أَيْضًا عِنْدَ فَزَعِ النَّاسِ إِليكم لتُغِيثُوهم. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَالُوا فَزَعْتُه فَزْعاً بِمَعْنَى أَفْزَعْتُه أَي أَغَثْتُه وَهِيَ لُغَةٌ


(٢). قوله [تنزل بها] هذا تعبير ابن الأثير
(٣). قوله [حللت إلخ] في شرح القاموس: نزلنا ولنفزعا وهو المناسب لما بعده من الحل.

<<  <  ج: ص:  >  >>