إِلى خَيْرِ دِينٍ سُنَّةٍ قَدْ عَلِمْته، ... ومِيزانُه فِي سُورةِ المَجْدِ ماتِعُ
أَي راجِحٌ زائِدٌ. وأَمْتَعَه بِالشَّيْءِ ومَتَّعَه: مَلَّاه إِياه. وأَمْتَعْتُ بِالشَّيْءِ أَي تَمَتَّعْتُ بِهِ، وَكَذَلِكَ تَمَتَّعْتُ بأَهلي وَمَالِي؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاعِي:
خَلِيلَيْنِ مِنْ شَعْبَيْنِ شَتَّى تَجاوَرا ... قَلِيلًا، وَكَانَا بالتَّفَرُّقِ أَمْتَعا «١»
أَمتَعا هَاهُنَا: تَمتَّعا، وَالِاسْمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ المَتاعُ، وَهُوَ فِي تَفْسِيرِ الأَصمعي مُتَعَدّ بِمَعْنَى مَتَّعَ؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو لِلرَّاعِي:
ولكِنَّما أَجْدَى وأَمْتَعَ جَدُّه ... بِفِرْقٍ يُخَشِّيه، بِهَجْهَجَ، ناعِقُه
أَي تَمَتَّعَ جَدُّه بِفِرْقٍ مِنَ الْغَنَمِ، وَخَالَفَ الأَصمعي أَبا زَيْدٍ وأَبا عَمْرٍو فِي الْبَيْتِ الأَوّل وَرَوَاهُ: وَكَانَا للتفَرُّقِ أَمْتَعا، بِاللَّامِ؛ يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ أَحد يُفَارِقُ صَاحِبَهُ إِلا أَمْتَعَه بِشَيْءٍ يُذَكِّرُهُ بِهِ، فَكَانَ مَا أَمتَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ صَاحِبَهُ أَن فارَقه أَي كَانَا مُتجاوِرَيْن فِي المُرْتَبَعِ فَلَمَّا انْقَضَى الرَّبِيعُ تَفَرَّقَا، وَرُوِيَ الْبَيْتُ الثَّانِي: وأَمْتَعَ جَدَّه، بِالنَّصْبِ، أَي أَمتعَ اللَّهُ جَدَّه. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: طَالَمَا أُمْتِعَ بِالْعَافِيَةِ فِي مَعْنَى مُتِّعَ وتَمَتَّعَ. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: اسْتَمْتَعُوا يَقُولُ رَضُوا بِنَصِيبِهِمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَنصبائهم فِي الْآخِرَةِ وَفَعَلْتُمْ أَنتم كَمَا فَعَلُوا. وَيُقَالُ: أَمْتَعْتُ عَنْ فُلَانٍ أَي اسْتَغْنَيْتُ عَنْهُ. والمُتْعةُ والمِتْعةُ والمَتْعةُ أَيضاً: البُلْغةُ؛ وَيَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ: ابْغِني مُتْعةً أَعِيشُ بِهَا أَي ابْغِ لِي شَيْئًا آكُلُه أَو زَادًا أَتَزَوَّدُه أَو قُوتًا أَقتاته؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الأَعشى يَصِفُ صَائِدًا:
مِنْ آلِ نَبْهانَ يَبْغِي صَحْبَه مُتَعا
أَي يَبْغِي لأَصحابه صَيْدًا يَعِيشُونَ بِهِ، والمُتَعُ جَمَعَ مُتْعةٍ. قَالَ اللَّيْثُ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مِتْعةٌ، وَجَمْعُهَا مِتَعٌ، وَقِيلَ: المُتْعةُ الزَّادُ الْقَلِيلُ، وَجَمْعُهَا مُتَعٌ. قَالَ الأَزهري: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ
؛ أَي بُلْغةٌ يُتَبلَّغُ بِهِ لَا بَقَاءَ لَهُ. وَيُقَالُ: لَا يُمْتِعُني هَذَا الثوبُ أَي لَا يَبْقى لِي، وَمِنْهُ يُقَالُ: أَمْتَعَ اللَّهُ بِكَ. أَبو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ فأُمَتِّعُه أَيْ أُؤخره، وَمِنْهُ يُقَالُ: أَمْتَعَك اللَّهُ بِطُولِ الْعُمْرِ؛ وأَما قَوْلُ بَعْضِ الْعَرَبِ يَهْجُو امرأَته:
لَوْ جُمِعَ الثَّلَاثُ والرُّباعُ ... وحِنْطةُ الأَرضِ الَّتِي تُباعُ،
لَمْ تَرَهُ إِلّا هُوَ المَتاعُ
فإِنه هَجَا امرأَته. وَالثَّلَاثُ وَالرُّبَاعُ: أَحدهما كَيْلٌ مَعْلُومٌ، وَالْآخَرُ وَزْنٌ مَعْلُومٌ؛ يَقُولُ: لَوْ جُمِعَ لَهَا مَا يكالُ أَو بوزن لَمْ تَرَهُ المرأَة إِلا مُتْعةً قَلِيلَةً. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ*
، وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ
؛ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَنه عَنَى بِبُيُوتٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ الْخَانَاتِ والفنادِقَ الَّتِي تَنْزِلُهَا السابِلةُ وَلَا يُقيمون فِيهَا إِلا مُقامَ ظَاعِنٍ، وَقِيلَ: إِنه عَنَى بِهَا الخَراباتِ الَّتِي يَدْخُلُهَا أَبناء السَّبِيلِ للانتِفاصِ مِنْ بَوْلٍ أَو خَلاء، وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: فِيها مَتاعٌ لَكُمْ
، أَي مَنْفَعةٌ لَكُمْ تَقْضُون فِيهَا حَوَائِجَكُمْ مُسْتَتِرِينَ عَنِ الأَبْصارِ ورُؤية النَّاسِ، فَذَلِكَ المَتاعُ، وَاللَّهُ أَعلم بِمَا أَراد. وَقَالَ ابْنُ الْمُظَفَّرِ: المَتاعُ مِنْ أَمْتِعةِ الْبَيْتِ مَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ الإِنسان فِي حَوائِجه،
(١). قوله [خليلين] الذي في الصحاح وشرح القاموس خليطين.