للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وشَرَّقْتُ اللَّحْمَ: شَبْرَقْته طُولًا وشَرَرْته فِي الشَّمْسِ ليجِفَّ لأَن لُحُومَ الأَضاحي كَانَتْ تُشَرَّق فِيهَا بِمِنًى؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

فَغَدَا يُشَرِّقُ مَتْنَه، فَبَدا لَهُ ... أُولى سَوابِقها قَرِيباً تُوزَعُ

يَعْنِي الثَّوْرَ يُشَرِّقُ مَتْنَه أَي يُظْهِرُه لِلشَّمْسِ ليجِف مَا عَلَيْهِ مِنْ نَدَى اللَّيْلِ فَبَدَا لَهُ سوابقُ الكِلابِ. تُوزَع: تُكَفّ. وتَشْريق اللَّحْمِ: تَقْطِيعُه وتقدِيدُه وبَسْطُه، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ: ثَلَاثَةُ أَيام بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ لأَن لَحْمَ الأَضاحي يُشَرَّق فِيهَا لِلشَّمْسِ أَي يُشَرَّر، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنهم كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: أَشْرِقْ ثَبِير كَيْمَا نُغِير؛ الإِغارةُ: الدَّفْعُ، أَي نَدْفَعُ للنَّفْر؛ حَكَاهُ يَعْقُوبُ، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَن الهَدْيَ وَالضَّحَايَا لَا تُنْحَر حَتَّى تَشْرُق الشمسُ أَي تَطْلُعَ، وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: فِيهِ قَوْلَانِ: يُقَالُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنهم كَانُوا يُشَرِّقون فِيهَا لُحوم الأَضاحي، وَقِيلَ: بَلْ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنها كلَّها أَيام تَشْرِيقٍ لِصَلَاةِ يومِ النَّحْرِ، يَقُولُ فَصَارَتْ هَذِهِ الأَيام تَبَعًا لِيَوْمِ النَّحْرِ، قَالَ: وَهَذَا أَعجب الْقَوْلَيْنِ إليَّ، قَالَ: وَكَانَ أَبو حَنِيفَةَ يَذْهَبُ بالتَّشْرِيقِ إِلَى التَّكْبِيرِ وَلَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهِ غَيْرُهُ، وَقِيلَ: أَشْرِق ادْخُلْ فِي الشُّرُوقِ، وثَبِيرٌ جَبَلٌ بِمَكَّةَ، وَقِيلَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ أَشْرِق ثبِير: كَيْما نُغِير: يُرِيدُ ادْخل أَيُّهَا الْجَبَلُ فِي الشُّرُوقِ وَهُوَ ضَوْءُ الشَّمْسِ، كَمَا تَقُولُ أَجْنَب دَخَلَ فِي الْجَنُوبِ وأَشْمَلَ دَخَلَ فِي الشِّمال، كَيْمَا نُغِير أَي كَيْمَا نُدْفَعُ لِلنَّحْرِ، وَكَانُوا لَا يُفِيضون حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَخَالَفَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُقَالُ كَيْمَا نَدْفَعُ فِي السَّيْرِ مِنْ قَوْلِكَ أَغارَ إغارةَ الثَّعْلبِ أَي أَسْرع وَدَفَعَ فِي عَدْوِه. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَنْ ذَبَح قَبْلَ التَّشْرِيقِ فلْيُعِدْ

، أَي قَبْلَ أَن يصلِّيَ صَلَاةَ الْعِيدِ وَيُقَالُ لِمَوْضِعِهَا المُشَرَّق. وَفِي حَدِيثِ

مَسْروق: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى مُشَرَّقِكم

يَعْنِي المُصَلَّى. وَسَأَلَ أَعرابي رَجُلًا فَقَالَ: أَين مَنْزِل المُشَرَّق؟ يَعْنِي الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ الْعِيدُ، وَيُقَالُ لِمَسْجِدِ الخَيْف المُشَرَّق وَكَذَلِكَ لِسُوقِ الطَّائِفِ. والمُشَرَّق: الْعِيدُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَن الصَّلَاةَ فِيهِ بَعْدَ الشَّرْقةِ أَي الشَّمْسِ، وَقِيلَ: المُشَرَّق مُصَلَّى الْعِيدِ بِمَكَّةَ، وَقِيلَ: مُصَلَّى الْعِيدِ وَلَمْ يُقَيَّدْ بِمَكَّةَ وَلَا غَيْرِهَا، وَقِيلَ: مُصَلَّى الْعِيدَيْنِ، وَقِيلَ: المُشَرَّق الْمُصَلَّى مُطْلَقًا؛ قَالَ كُرَاعٌ: هُوَ مِنْ تَشْرِيقِ اللَّحْمِ؛ وَرَوَى

شُعْبَةُ أَنَّ سِماك بْنَ حَرْب قَالَ لَهُ يَوْمَ عِيدٍ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى المُشَرَّق

يَعْنِي الْمُصَلَّى؛ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الأَخطل:

وبالهَدايا إِذَا احْمَرَّتْ مَدارِعُها، ... فِي يَوْمِ ذَبْحٍ وتَشْرِيقٍ وتَنْحارِ

والتَّشْرِيق: صَلَاةُ الْعِيدِ وَإِنَّمَا أُخذ مِنْ شُرُوقِ الشَّمْسِ لأَن ذَلِكَ وقتُها. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا ذَبْحَ إِلَّا بَعْد التَّشْرِيق

أَي بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَقَالَ شُعْبَةُ: التَّشْرِيق الصَّلَاةُ فِي الْفِطْرِ والأَضحى بالجَبّانِ. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا جُمْعة وَلَا تَشْرِيقَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ

؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

قُلْتُ لِسَعْدٍ وَهُوَ بالأَزارِق: ... عَلَيْكَ بالمَحْضِ وبالمَشارق

فَسَّرَهُ فَقَالَ: مَعْنَاهُ عَلَيْكَ بِالشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ فانْعَمْ بِهَا ولَذَّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنَّ المَشارِق هُنَا جَمْعُ لحمٍ مُشَرَّق، وهو هذا المَشْرُور عِنْدَ الشَّمْسِ، يُقَوِّي ذَلِكَ قولُه بِالْمَحْضِ لأَنهما مَطْعُومَانِ؛ يَقُولُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>