للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنَعْتهُ. وَيُقَالُ هَرِّقْ عَنَّا مِنْ الظَّهِيرَةِ وأَهْرِئْ عَنَّا بِمَعْنَاهُ، مَنْ قَالَ أَهْرِقْ عَنَّا مِنَ الظَّهِيرَةِ جَعَلَ الْقَافَ مُبْدَلَةً مِنَ الْهَمْزَةِ فِي أَهْرِئْ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ إِنَّمَا هُوَ هَراق يُهَرْيقُ لأَن الأَصل مِنْ أَراقَ يُرِيقُ يُأَرْيق، لأَن أَفْعَل يُفْعِلُ كَانَ فِي الأَصل يُأَفْعِلُ فَقَلَبُوا الْهَمْزَةَ الَّتِي فِي يُأَرْيِقُ هَاءً فَقِيلَ يُهَرْيِق، وَلِذَلِكَ تَحَرَّكَتِ الْهَاءُ. الْجَوْهَرِيُّ: هَراق الْمَاءَ يُهَرِيقه، بِفَتْحِ الْهَاءِ، هِراقة أَي صبَّه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

رُبَّ كَأْسٍ هَرَقْتَها، ابنَ لُؤَيّ، ... حَذَرَ الْمَوْتِ، لَمْ تكُنْ مُهْراقَهْ

وأَنشد لأَوس بْنِ حُجْرٍ:

نُبِّئْتُ أَنّ دَماً حَرَامًا نِلْتَهُ، ... فهُرِيق فِي ثوبٍ عَلَيْكَ مُحَبَّر

وأَنشد لِلنَّابِغَةِ:

وَمَا هُرِيقَ عَلَى الأَنْصابِ مِنْ جَسَدِ

قَالَ: وأَصل هَراق أَراقَ يُرِيقُ إراقَةً، وَأَصْلُ أَراقَ أَرْيَقَ، وأَصل يُرِيقُ يُرْيِقُ، وأَصل يُرْيِق يُأَرْيِقُ، وَإِنَّمَا قَالُوا أَنا أُهَرِيقُه وَهُمْ لَا يَقُولُونَ أُأَرِيقُهُ لِاسْتِثْقَالِهِمُ الْهَمْزَتَيْنِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الإِبدال، وَفِيهِ لُغَةٌ أُخرى: أَهْرَقَ الْمَاءَ يُهْرِقُه إهْراقاً عَلَى أَفْعَلَ يُفْعِلُ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَبدلوا مِنَ الْهَمْزَةِ الْهَاءَ ثُمَّ أُلزمت فَصَارَتْ كَأَنَّهَا مِنْ نَفْسِ الْحَرْفِ، ثُمَّ أُدخلت الأَلف بعدُ عَلَى الْهَاءِ وَتُرِكَتِ الْهَاءُ عِوَضًا مِنْ حَذْفِهِمْ حَرَكَةَ الْعَيْنِ، لأَن أَصل أَهْرَق أَرْيقَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذِهِ اللُّغَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي حَكَاهَا عن سيبوبه هِيَ الثَّالِثَةُ الَّتِي يَحْكِيهَا فِيمَا بعدُ إِلَّا أَنه غَلِطَ فِي التَّمْثِيلِ فَقَالَ أَهْرَق يُهْرِق، وَهِيَ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ شَاذَّةٌ نَادِرَةٌ لَيْسَتْ بِوَاحِدَةٍ مِنَ اللُّغَتَيْنِ الْمَشْهُورَتَيْنِ؛ يَقُولُونَ: هَرَقْت الماءَ هَرْقاً وأَهْرَقْتُه إهْراقاً، فَيَجْعَلُونَ الْهَاءَ فَاءً وَالرَّاءَ عَيْنًا وَلَا يَجْعَلُونَهُ مُعْتَلًّا، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ الَّتِي حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ فَهِيَ أَهْرَاق يُهْرِيق إهْراقةً، فَغيَّرها الْجَوْهَرِيُّ وَجَعَلَهَا ثَالِثَةً وَجَعَلَ مَصْدَرَهَا إهْرِياقاً، أَلا تَرَى أَنه حُكِيَ عَنْ سِيبَوَيْهِ فِي اللُّغَةِ الثَّانِيَةِ أَن الْهَاءَ عِوَضٌ مِنْ حَرَكَةِ الْعَيْنِ لأَن الأَصل أَرْيَق؟ فَهَذَا يَدُلُّ أَنه مِنْ أَهْرَاق إهْراقةً بالأَلف، وَكَذَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ فِي اللُّغَةِ الثَّانِيَةِ الصَّحِيحَةِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ أَهْرَاق يُهْرِيق إهْرِياقاً، فَهُوَ مُهْريق، وَالشَّيْءُ مُهْراق ومُهَراق أَيضاً، بِالتَّحْرِيكِ، وَهَذَا شَاذٌّ، وَنَظِيرُهُ أَسْطَاع يُسْطيع إسْطِياعاً، بِفَتْحِ الأَلف فِي الْمَاضِي وَضَمِّ الْيَاءِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، لُغَةٌ فِي أَطاع يُطِيع، فَجَعَلُوا السِّينَ عِوَضًا مِنْ ذَهَابِ حَرَكَةِ عَيْنِ الْفِعْلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَنِ الأَخفش فِي بَابِ الْعَيْنِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْهَاءِ عِنْدِي. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَن هَذِهِ اللُّغَةَ هِيَ الثَّانِيَةُ فِيمَا تَقَدَّمَ إِلَّا أَنه غَيَّرَ مَصْدَرَهَا فَقَالَ إهْرِياقاً، وَصَوَابُهُ إِهْراقةً، لأَن الأَصل أَراقَ يُرِيقُ إِراقةً، ثُمَّ زِيدَتْ فيه الهاء فصارت إِهْرَاقةً، وتاءُ التأْنيث عِوَضٌ مِنَ الْعَيْنِ الْمَحْذُوفَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ أَهْرَاق يُهْرِيقُ إِهْراقةً، وأسْطاع يُسْطيع إسْطاعةً، قَالَ: وأَما الَّذِي ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ مِنْ أَن مَصْدَرَ أَهْراقَ وأَسْطَاع إهْرياقاً وإسطِياعاً فَغَلِطَ مِنْهُ، لأَنه غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَالْقِيَاسُ إهْراقةً وإسْطَاعةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا غلَّطه فِي إسْطِيَاع أَنه أَتى بِهِ عَلَى وَزْنِ الاسْتِطاعِ مَصْدَرِ اسْتَطاع، قَالَ: وَهَذَا سَهْوٌ مِنْهُ لأَن أَسْطاع هَمْزَتُهُ قَطْعٌ، والاسْتِطاع والاسْطِيَاع هَمْزَتُهُمَا وَصْلٌ، وَقَوْلُهُ: والشيءُ مُهْراق ومُهَراق أَيضاً، بِالتَّحْرِيكِ، غَيْرُ صَحِيحٍ لأَن مَفْعُولَ أَهْرَاق مُهْراق لَا غَيْرَ؛ قَالَ: وأَما مُهَراق، بِالْفَتْحِ، فَمَفْعُولُ هَرَاق وَقَدْ تَقَدَّمَ شَاهِدُهُ؛ وَشَاهِدُ المُهْراق مَا أُنشد

<<  <  ج: ص:  >  >>