للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِكَّة لأَنه طُبِعَ بِالْحَدِيدَةِ المُعَلِّمة لَهُ، وَيُقَالُ لَهُ السَّكُّ، وَكُلُّ مِسْمَارٍ عِنْدَ الْعَرَبِ سَكٌّ؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ يَصِفُ دِرْعًا:

ومَشْدُودَةَ السَّكِّ مَوْضُونَةً، ... تَضَاءَلُ فِي الطَّيِّ كالمِبْرَدِ

قَوْلُهُ وَمَشْدُودَةَ مَنْصُوبٌ لأَنه مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ:

وأَعْدَدتُ لِلْحَرْبِ وَثّابةً، ... جَوادَ المَحَثَّةِ والمِرْوَدِ

وسِكَّةُ الحَرَّاثِ: حديدةُ الفَدَّانِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَا دَخَلتِ السِّكَّةُ دارَ قَوْمٍ إلَّا ذَلُّوا.

والسَّكَّة فِي هَذَا الْحَدِيثِ: الْحَدِيدَةُ الَّتِي يُحْرَثُ بِهَا الأَرض، وَهِيَ السِّنُّ واللُّؤَمَةُ، وَإِنَّمَا قَالَ

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّهَا لَا تَدْخُلُ دَارَ قَوْمٍ إِلَّا ذَلُّوا

كَرَاهَةَ اشْتِغَالِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْمُسْلِمِينَ عَنْ مُجَاهَدَةِ الْعَدُوِّ بِالزِّرَاعَةِ وَالْخَفْضِ، وَإِنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ طُولِبُوا بِمَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ مَالِ الفَيْء فَيَلْقَوْنَ عَنَتاً مِنْ عُمَّال الْخَرَاجِ وَذُلًّا مِنَ الإِلزامات، وَقَدْ عَلِمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَا يَلْقَاهُ أَصْحَابُ الضِّيَاعِ وَالْمَزَارِعِ مِنْ عَسْفِ السُّلْطَانِ وإِيجابه عَلَيْهِمْ بِالْمُطَالَبَاتِ، وَمَا يَنَالُهُمْ مِنَ الذلِّ عِنْدَ تُغَيِّرُ الأَحوال بَعْدَهُ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:

العِزُّ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ وَالذُّلُّ فِي أَذناب الْبَقَرِ

، وَقَدْ ذُكِرَتِ السِّكَّة في ثلاثة أَحاديث بثلاثة مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ. والسِّكَّةُ والسِّنَّةُ: المَأْنُ الذي تحرث بِهِ الأَرض. ابْنُ الأَعرابي: السُّكُّ لُؤْمُ الطَّبْعِ. يُقَالُ: هُوَ بسُكِّ طَبْعِه يَفْعَلُ ذَلِكَ. وسَكَّ إِذَا ضَيَّق، وسَكَّ إِذَا لَؤُمَ. والسِّكَّة: السَّطْرُ الْمُصْطَفُّ مِنَ الشَّجَرِ وَالنَّخِيلِ، وَمِنْهُ الحديثُ المأْثورُ:

خَيْرُ الْمَالِ سِكَّةٌ مأْبُورَةٌ ومُهْرَةٌ مأْمُورة

؛ المأْبورة: المُصْلَحة المُلْقَحَة مِنَ النَّخْلِ، والمأْمورة: الْكَثِيرَةُ النِّتاجِ وَالنَّسْلِ، وَقِيلَ: السِّكَّة المأْبورة هِيَ الطَّرِيقُ الْمُسْتَوِيَةُ الْمُصْطَفَّةُ مِنَ النَّخْلِ، والسكَّة الزُّقاقُ، وَقِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَتِ الأَزِقَّةُ سِكَكاً لِاصْطِفَافِ الدُّور فِيهَا كَطَرَائِقِ النَّخْلِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كَانَ الأَصمعي يَذْهَبُ فِي السِّكَّةِ الْمَأْبُورَةِ إِلَى الزَّرْعِ وَيَجْعَلُ السِّكَّةَ هُنَا سِكَّةَ الحرَّاث كأَنه كَنَّى بِالسِّكَّةِ عَنِ الأَرض الْمَحْرُوثَةِ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ خَيْرُ الْمَالِ نِتَاجٌ أَوْ زَرْعٌ، والسِّكَّة أَوسع مِنَ الزُّقاقِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاصْطِفَافِ الدُّورِ فِيهَا عَلَى التَّشْبِيهِ بالسِّكَّةِ مِنَ النَّخْلِ. والسِّكَّةُ: الطَّرِيقُ الْمُسْتَوِي، وَبِهِ سُمِّيَتْ سِكَكُ البَرِيدِ؛ قَالَ الشَّمَّاخ:

حَنَّتْ عَلَى سِكَّةِ السَّارِي فَجاوَبها ... حمامةٌ مِنْ حمامٍ، ذاتُ أَطواقِ

أَي عَلَى طَرِيقِ السَّارِيِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

نَضْرِبُهم إذ أَخذُوا السَّكائِكا

الأَزهري: سَمِعْتُ أَعرابيّاً يَصِفُ دَحْلًا دَحَله فَقَالَ: ذَهَبَ فَمُهُ سَكّاً فِي الأَرض عَشْرَ قِيَمٍ ثُمَّ سَرَبَ يَمِينًا؛ أَراد بِقَوْلِهِ سَكّاً أَي مُسْتَقِيمًا لَا عِوَجَ فِيهِ. والسِّكَّةُ: الطَّرِيقَةُ المُصْطَفَّة مِنَ النَّخْلِ. وَضَرَبُوا بيوتَهم سِكاكاً أَيْ صَفًّا وَاحِدًا؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، ويُقال بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وَأَدْرَكَ الأَمْرَ بِسِكَّتِهِ أَي فِي حِينِ إِمْكَانِهِ. واللُّوحُ والسُّكاكُ والسُّكاكَةُ: الهواءُ بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرض، وَقِيلَ: الَّذِي لَا يُلَاقِي أعْنان السَّمَاءِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَوْ نَزَوْتَ فِي السُّكاكِ أَي فِي السَّمَاءِ. وَفِي حَدِيثِ الصَّبِيَّةِ الْمَفْقُودَةِ.

قَالَتْ فَحَمَلَنِي عَلَى خَافِيَةٍ مِنْ خَوافِيه ثُمَّ دَوَّمَ بِي فِي السُّكاكِ

؛ السُّكاك والسُّكاكة: الجَوُّ وَهُوَ مَا بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>