للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْعَسَلُ، شُبِّهَ بالثَّغْر لِشِدَّةِ بَيَاضِهِ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

فَجَاءَ بِمَزْجٍ لَمْ يَرَ الناسُ مِثْلَهُ، ... هُوَ الضَّحْك، إِلا أَنه عَمَلُ النَّحْلِ

وَقِيلَ: الضَّحْك هُنَا الشَّهْد، وَقِيلَ الزُّبْدُ، وَقِيلَ الثَّلْج. والضَّحْكُ أَيضاً: طَلْعُ النَّخْل حِينَ يَنْشَقُّ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ مَا فِي جَوْفِ الطَّلْعة. وضَحِكَتِ النخلةُ وأَضْحَكَتْ: أَخرجت الضَّحْكَ. أَبو عَمْرٍو: الضَّحْكُ والضَّحَّاك وَلِيعُ الطَّلْعة الَّذِي يُؤْكَلُ. والضَّحْك: النَّوْرُ. والضَّحْك: المَحَجَّة. وضَحِكَتِ المرأةُ: حَاضَتْ؛ وَبِهِ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ

؛ وَقَدْ فُسِّرَ عَلَى مَعْنَى العَجَب أَي عَجِبَتْ مِنْ فَزَعِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَرُوِيَ الأَزهري عَنِ الْفَرَّاءِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: لَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِعَبْدِهِ ولخليله إِبْرَاهِيمَ لَا تَخَفْ ضَحِكَتْ عِنْدَ ذَلِكَ امرأَته، وَكَانَتْ قَائِمَةً عَلَيْهِمْ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَضَحِكت فبُشرت بَعْدَ الضَّحِك بإسحق، وَإِنَّمَا ضَحِكَتْ سُرُورًا بالأَمن لأَنها خَافَتْ كَمَا خَافَ إِبْرَاهِيمُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا مقدَّم، وَمُؤَخَّرٌ الْمَعْنَى فِيهِ عندهم: فبشرناها بإسحق فَضَحِكَتْ بِالْبِشَارَةِ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُهُ الْكَلَامُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصَوَابِهِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فَضَحِكَتْ حَاضَتْ فَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ ثِقَةٍ. قَالَ أَبو عَمْرٍو: وَسَمِعْتُ أَبَا مُوسَى الْحَامِضَ يَسْأَلُ أَبَا الْعَبَّاسِ عَنْ قَوْلِهِ فَضَحِكَتْ

أَيْ حَاضَتْ، وَقَالَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ، فَقَالَ: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَالتَّفْسِيرُ مُسَلَّمٌ لأَهل التَّفْسِيرِ، فَقَالَ لَهُ فَأَنْتَ أَنْشَدْتَنَا:

تَضْحَكُ الضَّبْعُ لقَتْلى هُذَيْلٍ، ... وتَرى الذئبَ بِهَا يَسْتَهِلّ

فَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: تَضْحَكُ هَاهُنَا تَكْشِرُ، وَذَلِكَ أَنَّ الذِّئْبَ يُنَازِعُهَا عَلَى الْقَتِيلِ فتَكْشِر فِي وَجْهِهِ وَعيداً فَيَتْرُكُهَا مَعَ لَحْمِ الْقَتِيلِ وَيَمُرُّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وضَحِكَت الأَرنبُ ضِحْكاً حَاضَتْ؛ قَالَ:

وضِحْك الأَرانبِ فَوْقَ الصَّفا، ... كمثلِ دَمِ الجَوْفِ يَوْمَ اللِّقا

يَعْنِي الحيضَ فِيمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِ تأَبط شَرًّا:

تَضْحَكُ الضَّبْعُ لِقَتْلَى هُذَيْلٍ

أَي أَن الضَّبُعَ إِذَا أَكلت لُحُومَ النَّاسِ أَو شَرِبَتْ دِمَاءَهُمْ طَمِثَتْ، وَقَدْ أَضْحكها الدمُ؛ قَالَ الكُمَيْت:

وأَضْحَكَتِ الضِّباعَ سُيوفُ سَعْدٍ، ... لقَتْلى مَا دُفِنَّ وَلَا وُدِينا

وَكَانَ ابْنُ دُرَيْدٍ يَرُدُّ هَذَا وَيَقُولُ: مَنْ شَاهَدَ الضِّباعَ عِنْدَ حَيْضِهَا فَيَعْلَمُ أَنها تَحِيضُ؟ وَإِنَّمَا أَراد الشَّاعِرُ أَنها تَكْشِرُ لأَكل اللُّحُومِ، وَهَذَا سَهْوٌ مِنْهُ فَجَعَلَ كَشْرَها ضَحِكاً؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنها تَسْتَبْشِرُ بِالْقَتْلَى إِذَا أَكَلَتْهُمْ فيَهِرُّ بعضُها عَلَى بَعْضٍ فَجَعَلَ هَرِيرها ضَحِكاً وَقِيلَ أَراد أَنها تُسَرّ بِهِمْ فَجَعَلَ السُّرُورَ ضَحِكاً لأَن الضَّحِكَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْهُ كَتَسْمِيَةِ الْعِنَبِ خَمْرًا، ويسْتَهِلُّ: يَصِيحُ ويَسْتَعْوِي الذئابَ. قَالَ أَبو طَالِبٍ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ فَضَحِكَتْ

حَاضَتْ إِنَّ أَصله مِنْ ضَحَّاك الطَّلْعة «١» إِذَا انْشَقَّتْ؛ قَالَ: وقال الأَخطل فهي بِمَعْنَى الْحَيْضِ:

تَضْحَكُ الضَّبْعُ من دِماءِ سُلَيْمٍ، ... إذ رَأَتْها عَلَى الحِداب تَمُورُ

وَكَانَ

ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: فَضَحِكَتْ

عَجِبَت مِنْ فَزَعِ إِبْرَاهِيمَ.

وَقَالَ أَبو إِسْحَقَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:


(١). قوله [من ضحاك الطلعة] كذا بالأَصل، والإِضافة بيانية لأَن الضحاك، كشداد: طلع النخلة إذا انشق عنه كمامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>