للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَنْشَدَ:

كأَنَّ رَحْلي وأَداةَ رَحْلي، ... عَلَى حَزَابٍ، كأَتان الضَّحْلِ

قَالَ الأَزهري: وَهُوَ كَمَا قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ وَهُوَ مِنْ مَرَاكِبِ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وأَما الرِّحَالَة فَهِيَ أَكْبَرُ مِنَ السَّرْج وتُغَشَّى بِالْجُلُودِ وَتَكُونُ لِلْخَيْلِ وَالنَّجَائِبِ مِنَ الإِبل، وَمِنْهُ قَوْلُ الطِّرِمَّاح:

فَتَرُوا النَّجائِبَ عِنْدَ ذلك ... بالرِّحَالِ وبالرَّحَائِل

وَقَالَ عَنْتَرَةُ فَجَعَلَهَا سَرْجاً:

إِذ لَا أَزال عَلَى رِحَالة سَابِحٍ ... نَهْدٍ مَراكِلُه، نَبِيلِ المَحْزِمِ

قَالَ الأَزهري: فَقَدْ صَحَّ أَن الرَّحْل والرِّحَالَة مِنْ مَرَاكِبِ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ. والرَّحْل فِي غَيْرِ هَذَا: مَنْزِلُ الرَّجُلِ وَمَسْكَنُهُ وَبَيْتُهُ. وَيُقَالُ: دَخَلْتُ عَلَى الرَّجُل رَحْله أَي مَنْزِلَهُ. وَفِي حَدِيثِ

يَزِيدَ بْنِ شَجَرة: أَنه خَطَبَ النَّاسَ فِي بَعْثٍ كَانَ هُوَ قَائِدَهُمْ فَحَثَّهم عَلَى الْجِهَادِ وَقَالَ: إِنكم تَرَوْن مَا أَرى مِنْ أَصفر «٤» وأَحمر وَفِي الرِّحال مَا فِيهَا فاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُوا الحُورَ العِين

، يَقُولُ: مَعَكُم مِنْ زَهْرةِ الدُّنْيَا وزُخْرُفها مَا يُوجِبُ عَلَيْكُمْ ذِكْرَ نِعْمَةِ اللَّه عَلَيْكُمْ واتِّقاءَ سَخَطِه، وأَن تَصْدُقوا العدوَّ القتالَ وَتُجَاهِدُوهُمْ حَقَّ الْجِهَادِ، فَاتَّقُوا اللَّه وَلَا تَرْكَنوا إِلى الدُّنْيَا وَزُخْرُفِهَا، وَلَا تُوَلُّوا عَنْ عَدُوِّكم إِذا الْتَقَيْتُمْ، وَلَا تُخْزُوا الْحُورَ العِين بِأَنْ لَا تُبْلُوا وَلَا تَجْتَهِدُوا، وأَن تَفْشَلوا عَنِ الْعَدُوِّ فَيُوَلِّين، يَعْنِي الحُورَ العِين، عَنْكُمْ بخَزاية وَاسْتِحْيَاءٍ لَكُمْ، وَتَفْسِيرُ الخَزاية فِي مَوْضِعِهِ. والرَّاحُولُ: الرَّحْل، وإِنه لخَصيب الرَّحْل. وانتهينا إِلَى رِحَالِنا أَي مَنَازِلِنَا. والرَّحْل: مَسْكَنُ الرَّجُلِ وَمَا يَصْحَبُهُ مِنَ الأَثاث. وَفِي الْحَدِيثِ

: إِذا ابْتَلَّت النِّعال فَالصَّلَاةُ فِي الرِّحَال

أَي صَلُّوا رُكْباناً، والنِّعال هُنَا: الحِرَار، وَاحِدُهَا نَعْل. وَقَالَ ابْنُ الأَثير: فَالصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ يَعْنِي الدُّور وَالْمَسَاكِنَ وَالْمَنَازِلَ، وَهِيَ جَمْعُ رَحْل، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ عَنِ الْعَرَبِ: وَضَعا رِحَالَهما، يَعْنِي رَحْلَي الرَّاحِلَتَيْنِ، فأَجْروا الْمُنْفَصِلَ مِنْ هَذَا الْبَابِ كالرَّحْل مُجْرَى غَيْرِ الْمُنْفَصِلِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما، وَهَذَا فِي الْمُنْفَصِلِ قَلِيلٌ وَلِذَلِكَ خَتَمَ سِيبَوَيْهِ بِهِ فَصْلَ:

ظَهْراهُما مِثْلُ ظُهور التُّرْسَيْنِ

وَقَدْ كَانَ يَجِبُ أَن يَقُولُوا وَضَعا أَرْحُلَهما لأَن الِاثْنَيْنِ أَقرب إِلى أَدنى العدَّة، وَلَكِنْ كَذَا حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ، وأَما فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي هَذَا الْمَكَانِ لأَن الْقَلْبَ لَيْسَ لَهُ أَدنى عَدَدٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَدنى عَدَدٍ لَكَانَ الْقِيَاسُ أَن يُسْتعمل هَاهُنَا، وَقَوْلُ خطَام:

ظَهْراهُما مِثْلُ ظُهور التُّرْسَيْنِ

مِنْ هَذَا أَيضاً، إِنما حُكْمُهُ مِثْلُ أَظهر التُّرْسَيْنِ لِمَا قَدَّمْنَا، وَهُوَ الرِّحَالَة وَجَمْعُهَا رَحَائِل. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والرِّحَالَة فِي أَشْعار الْعَرَبِ السَّرْجُ، قَالَ الأَعشى:

ورَجْرَاجَةٍ تُعْشِي النَّواظِرَ ضَخْمَةٍ، ... وشُعْثٍ عَلَى أَكتافِهِنَّ الرَّحَائِلُ

قَالَ: والرِّحَالَة سَرْجٌ مِنْ جُلُودٍ لَيْسَ فِيهِ خَشَبٌ كَانُوا يَتَّخِذُونَهُ للرَّكْض الشَّدِيدِ، وَالْجَمْعُ الرَّحَائِل، قَالَ


(٤). قوله [من أصفر] هكذا في الأَصل، وفي التهذيب: من بين أصفر، بزيادة بين.

<<  <  ج: ص:  >  >>