للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالُوا: وهَنَتْهم حُمَّى يَثْرِب وَهُوَ مَسْنُونٌ فِي بَعْضِ الأَطواف دُونَ الْبَعْضِ، وأَما السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَهُوَ شِعار قَدِيمٌ مِنْ عَهْدِ هاجَر أُمِّ إِسماعيل، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فإِذاً الْمُرَادُ بِقَوْلِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رَمَلانُ الطوافِ وَحْدَهُ الَّذِي سُنَّ لأَجل الْكُفَّارِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، قَالَ: وَكَذَلِكَ شَرَحه أَهل الْعِلْمِ لَا خِلَافَ بَيْنِهِمْ فِيهِ فَلَيْسَ لِلتَّثْنِيَةِ وَجْهٌ. والرَّمَل: ضَرْبٌ مِنْ عَرُوضٍ يَجِيءُ عَلَى فَاعِلَاتُنْ فَاعِلَاتُنْ؛ قَالَ:

لَا يُغْلَب النازعُ مَا دَامَ الرَّمَل، ... وَمَنْ أَكَبَّ صَامِتًا فَقَدْ حَمَل «١»

. ابْنُ سِيدَهْ: الرَّمَل مِنَ الشِّعْر كُلُّ شِعْرٍ مَهْزُولٍ غَيْرِ مؤتَلِف الْبِنَاءِ، وَهُوَ مِمَّا تُسَمِّي الْعَرَبُ مِنْ غَيْرِ أَن يَحُدُّوا فِي ذَلِكَ شَيْئًا نَحْوَ قَوْلِهِ:

أَقْفَرَ مِنْ أَهله مَلْحوبُ، ... فالقُطَبِيَّاتُ فالذَّنُوبُ «٢»

. وَنَحْوَ قَوْلِهِ:

أَلا لِلَّهِ قَوْمٌ وَلَدَتْ ... أُختُ بَنِي سَهْم

أَراد وَلَدَتْهُمْ، قَالَ: وَعَامَّةُ المَجْزوء يَجْعَلونه رَمَلًا؛ كَذَا سُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: قَوْلُهُ وَهُوَ مِمَّا تُسَمِّي الْعَرَبُ، مَعَ أَن كُلَّ لَفْظَةٍ وَلَقَبٍ اسْتَعْمَلَهُ العَروضيُّون فَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، تأْويله إِنما اسْتَعْمَلَتْهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ العَروضيُّون، وَلَيْسَ مَنْقُولًا عَنْ مَوْضِعِهِ لَا نَقْلَ العَلَم وَلَا نَقْلَ التَّشْبِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِكَ فِي ذَيْنِكَ، أَلا تَرَى أَن العَروض والمِصْراع والقَبْض والعَقْل وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الأَسماء الَّتِي اسْتَعْمَلَهَا أَصحاب هَذِهِ الصِّنَاعَةِ قَدْ تَعَلَّقَتِ الْعَرَبُ بِهَا؟ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي نَقَلَهَا أَهل هَذَا الْعِلْمِ إِليها، إِنما العَروض الخَشَبة الَّتِي فِي وَسَطِ الْبَيْتِ المَبْنِيِّ لَهُمْ، والمِصْراع أَحد صِفْقَي الْبَابِ فَنَقَلَ ذَلِكَ وَنَحْوَهُ تَشْبِيهًا، وأَما الرَّمَل فإِن الْعَرَبَ وَضَعَتْ فِيهِ اللَّفْظَةَ نَفْسَهَا عِبَارَةً عِنْدَهُمْ عَنِ الشِّعْر الَّذِي وَصَفَهُ بِاضْطِرَابِ الْبِنَاءِ وَالنُّقْصَانِ عَنِ الْأَصْلِ، فَعَلَى هَذَا وَضَعَهُ أَهل هَذِهِ الصِّنَاعَةِ، لَمْ يَنْقُلُوهُ نَقْلًا عَلَمِيًّا وَلَا نَقْلًا تَشْبِيهِيًّا، قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فإِن الرَّمَل كُلُّ مَا كَانَ غيرَ القَصِيد مِنَ الشِّعْر وغَيْرَ الرَّجَز. وأَرْمَلَ القومُ: نَفِد زادُهم، وأَرْمَلُوه أَنْفدوه؛ قَالَ السُّلَيْك بْنُ السُّلَكة:

إِذا أَرْمَلُوا زَادًا، عَقَرْت مَطِيَّةً ... تَجُرُّ بِرِجْلَيْهَا السَّرِيحَ المُخَدَّما

وَفِي حَدِيثِ

أُم مَعْبَد: وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلينَ مُسْنتين

؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: المُرْمِلُ الَّذِي نَفِدَ زَادُهُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ

أَبي هُرَيْرَةَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي غَزَاة فأَرْمَلْنا وأَنْفَضْنا

؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ أُم مَعْبَدٍ؛ أَي نَفِد زَادُهُمْ، قَالَ: وأَصله مِنَ الرَّمْل كأَنهم لَصِقوا بالرَّمْلِ كَمَا قِيلَ لِلْفَقِيرِ التَّرِبُ. وَرَجُلٌ أَرْمَل وامرأَة أَرْمَلَة: مُحْتَاجَةٌ، وَهُمُ الأَرْمَلَة والأَرَامِل والأَرَامِلَة، كَسَّروه تَكْسِيرَ الأَسماء لقِلَّته، وكُلُّ جَمَاعَةٍ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ أَو رِجَالٍ دُونَ نِسَاءٍ أَو نِسَاءٍ دُونَ رِجَالٍ أَرْمَلَةٌ، بَعْدَ أَن يَكُونُوا مُحْتَاجِينَ. وَيُقَالُ لِلْفَقِيرِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ رَجُلٍ أَو امرأَة أَرْمَلة، وَلَا يُقَالُ للمرأَة الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا وَهِيَ مُوسِرة أَرْمَلَة، والأَرَامِل: الْمَسَاكِينُ. وَيُقَالُ: جَاءَتْ أَرْمَلةٌ مِنْ نِسَاءٍ وَرِجَالٍ مُحْتَاجِينَ، وَيُقَالُ لِلرِّجَالِ الْمُحْتَاجِينَ الضُّعَفَاءِ أَرْمَلَة، وإِن لَمْ يكن


(١). هذا البيت من الرجز لا من الرَّمَل
(٢). قوله [فالقطبيات] هكذا في الأصل بتخفيف الطاء ومثله في القاموس، وضبطه ياقوت بتشديدها

<<  <  ج: ص:  >  >>