بَيْنَهُمُ القِتال مِنْ أَجله، فَهُوَ جَمْعُ مُقْتَتِل، اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ اقْتَتَلَ، وَيُحْتَمَلُ أَن تَكُونَ الرِّوَايَةُ بِنَصْبِ التَّاءَيْنِ عَلَى الْمَفْعُولِ؛ يُقَالُ: اقْتُتِلَ، فَهُوَ مُقْتَتَل، غَيْرَ أَن هَذَا إِنما يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَنْ قَتَله الحُبُّ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذَا حَدِيثٌ مُشْكِلٌ اخْتَلَفَ فِيهِ أَقوال الْعِلْمَاءِ فَقِيلَ: إِنه فِي المُقْتَتِلِين مِنْ أَهل القِبْلة عَلَى التأْويل فإِن البَصائر رُبَّمَا أَدْرَكت بعضَهم فَاحْتَاجَ إِلى الِانْصِرَافِ مِنْ مَقامه الْمَذْمُومِ إِلى الْمَحْمُودِ، فإِذا لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا يمرُّ فِيهِ إِليه بَقِيَ فِي مَكَانِهِ الأَول فَعَسَى أَن يُقْتَل فِيهِ، فأُمِرُوا بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: إِنه يَدْخُلُ فِيهِ أَيضاً المُقْتَتِلون مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي قِتالهم أَهل الْحَرْبِ، إِذ قَدْ يَجُوزُ أَن يَطْرأَ عَلَيْهِمْ مَنْ مَعَهُ الْعُذْرُ الَّذِي أُبِيح لَهُمُ الِانْصِرَافُ عَنْ قِتاله إِلى فِئة الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَتَقَوَّون بِهَا عَلَى عدوِّهم، أَو يَصِيرُوا إِلى قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقْوَون بِهِمْ عَلَى قِتال عدوِّهم فيقاتِلونهم مَعَهُمْ. وَيُقَالُ: قُتِلَ الرَّجُلُ، فإِن كَانَ قَتَله العِشْق أَو الجِنُّ قِيلَ اقْتُتِل. ابْنُ سِيدَهْ: اقْتُتِل فُلَانٌ قَتَلَهُ عَشِقُ النِّسَاءَ أَو قَتَله الجِنُّ، وَكَذَلِكَ اقْتَتَلَتْه النِّسَاءُ، لَا يُقَالُ فِي هَذَيْنِ إِلا اقْتُتِلَ. أَبو زَيْدٍ: اقْتُتِلَ جُنَّ، واقْتَتَلَه الجِنُّ خُبِل، واقْتُتِلَ الرَّجُلُ إِذا عَشِق عِشْقاً مُبَرِّحاً؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
إِذا مَا امْرُؤٌ حاوَلْن أَن يَقْتَتِلْنه، ... بِلا إِحْنةٍ بَيْنَ النُّفوس، وَلَا ذَحْل
هَذَا قَوْلُ أَبي عُبَيْدٍ؛ وَقَدْ قَالُوا قَتَلَه الجِنّ وَزَعَمُوا أَن هَذَا الْبَيْتَ:
قَتَلْنا سَيِّد الخَزْرَج ... سعدَ بْنَ عُباده
إِنما هُوَ لِلْجِنِّ. والقِتْلة: الْحَالَةُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهلُ الإِيمان
؛ القِتْلَة، بِالْكَسْرِ: الْحَالَةُ مِنَ القَتْل، وَبِفَتْحِهَا المرَّة مِنْهُ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ويفهَم الْمُرَادُ بِهِمَا مِنْ سِيَاقِ اللَّفْظِ. ومَقاتِل الإِنسان: الْمَوَاضِعُ الَّتِي إِذا أُصيبت مِنْهُ قَتَلَتْه، وَاحِدُهَا مَقْتَل. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي عَنْ أَبي الْمُجِيبِ: لَا وَالَّذِي أَتَّقِيه إِلا بمَقْتَلِه «١» أَي كُلُّ مَوْضِعٍ مَنِّي مَقْتَل بأَيِّ شيءٍ شَاءَ أَن ينزِل قَتْلي أَنزله، وأَضاف المَقْتَل إِلى اللَّهِ لأَن الإِنسان كُلَّهُ مِلْك لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فمَقاتِله مِلْكٌ لَهُ. وَقَالُوا فِي المَثل: قَتَلَتْ أَرْضٌ جاهلَها وقَتَّلَ أَرضاً عالِمُها. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: مِنْ أَمثالهم فِي الْمَعْرِفَةِ وحمدِهم إِياها قولُهم قَتَّلَ أَرضاً عالمُها وقَتَلَتْ أَرضٌ جَاهِلَهَا، قَالَ: قَوْلُهُمْ قَتَّلَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ مُقَتَّل مُضَرَّس، وَقَالُوا قَتَلَه عِلْماً عَلَى المَثل أَيضاً، وقَتَلْت الشيءَ خُبْراً. قَالَ تَعَالَى: وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ
؛ أَي لَمْ يُحيطوا بِهِ عِلْماً، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْهَاءُ هَاهُنَا لِلْعِلْمِ كَمَا تَقُولُ قَتَلْتُه عِلْمًا وقَتَلْتَه يَقِينًا للرأْي وَالْحَدِيثِ، وأَما الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ
، فَهُوَ هَاهُنَا لِعِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى مَا قَتَلُوا علْمَهم يَقِينًا كَمَا تَقُولُ أَنا أَقْتُل الشَّيْءَ عِلْمًا تأْويله أَي أَعْلم عِلْمًا تَامًّا. ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ هُوَ قَاتِل الشَّتَوات أَي يُطعِم فِيهَا ويُدْفِئُ النَّاسَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلرَّجُلِ الَّذِي قَدْ جرَّب الأُمور: هُوَ مُعاوِد السَّقْي سَقَى صَيِّباً. وقَتَلَ غَليلَه: سَقَاهُ فَزَالَ غَليلُه بالرِّيِّ، مَثَّلَ بِمَا تَقَدَّمَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. والقِتْل، بِالْكَسْرِ: العدوُّ؛ قَالَ:
واغْتِرابي عَنْ عامِر بْنِ لُؤَيٍّ ... فِي بلادٍ كَثِيرَةِ الأَقْتال
(١). قوله [وَالَّذِي أَتَّقِيهِ إِلَّا بمَقْتَلِه] هكذا في الأصل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute