للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كلُّ بَني حُرَّةٍ مَصِيرُهُمْ ... قُلٌّ، وإِن أَكثرتْ مِنَ العَدَدْ

وأَنشد الأَصمعي لِخَالِدِ بْنِ عَلْقمَة الدَّارمي:

ويْلُ امِّ لَذَّات الشَّبَابِ مَعِيشه ... مَعَ الكُثْرِ يُعْطاه الفَتى المُتْلِف النَّدي

قَدْ يَقْصُر القُلُّ الفَتى دُونَ هَمِّه، ... وَقَدْ كَانَ، لَوْلَا القُلُّ، طَلَّاعَ أَنْجُدِ

وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِآخَرَ:

فأَرْضَوْهُ إِنْ أَعْطَوْه مِنِّي ظُلامَةً، ... وَمَا كُنْتُ قُلًّا، قبلَ ذَلِكَ، أَزْيَبا

وَقَوْلُهُمْ: لَمْ يترُك قَليلًا وَلَا كَثِيرًا؛ قَالَ أَبو عبيد: فإِنَّهم يَبْدَؤون بالأَدْوَن كَقَوْلِهِمْ القَمَران، ورَبِيعة ومُضَر، وسُلَيم وَعَامِرٌ. والقُلال، بِالضَّمِّ: القَلِيل. وَشَيْءٌ قَلِيلٌ، وَجَمْعُهُ قُلُل: مِثْلَ سَرِير وسُرُر. وَشَيْءٌ قُلٌّ: قَليل. وقُلُّ الشَّيْءِ: أَقَلُّه. والقَلِيل مِنَ الرِّجَالِ: الْقَصِيرُ الدَّقِيق الجُثَّة، وامرأَة قَلِيلة كَذَلِكَ. وَرَجُلٌ قُلٌّ: قَصِيرُ الجُثَّة. والقُلُّ مِنَ الرِّجَالِ: الْخَسِيسُ الدِّين؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الأَعشى:

وَمَا كُنْتُ قُلًّا، قبلَ ذَلِكَ، أَزْيَبا

ووصفَ أَبو حَنِيفَةَ العَرْض بالقِلَّة فَقَالَ: المِعْوَل نَصْل طويلٌ قَلِيل العَرْض، وقومٌ قَلِيلون وأَقِلَّاءُ وقُلُلٌ وقُلُلون: يَكُونُ ذَلِكَ فِي قِلَّة العَدَد ودِقَّة الجُثَّة، وقومٌ قَلِيل أَيضاً. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ

. وَقَالُوا: قَلَّما يَقُومُ زَيْدٌ؛ هَيَّأَتْ مَا قَلَّ ليقَعَ بَعْدَهَا الفعلُ؛ قَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: قَلَّ مِنْ قَوْلِكَ قَلَّما فِعْلٌ لَا فَاعِلَ لَهُ، لأَن مَا أَزالته عَنْ حُكْمه فِي تَقَاضِيهِ الْفَاعِلَ، وأَصارته إِلى حُكْمِ الْحَرْفِ المتقاضِي لِلْفِعْلِ لَا الِاسْمِ نَحْوُ لَوْلَا وهلَّا جَمِيعًا، وَذَلِكَ فِي التَّحْضيض، وإِن فِي الشَّرْطِ وَحَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ؛ وَلِذَلِكَ ذَهَبَ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

صَدَدْت فأَطولت الصُّدودَ، وقَلَّما ... وِصالٌ عَلَى طُول الصُّدود يَدُومُ

إِلى أَن وِصالٌ يرتفِع بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يدلُّ عَلَيْهِ يَدُوم، حَتَّى كأَنه قَالَ: وقَلَّما يَدُومُ وِصالٌ، فَلَمَّا أَضمر يَدُوم فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ فِيمَا بعدُ يَدومُ، فَجَرَى ذَلِكَ فِي ارْتِفَاعِهِ بِالْفِعْلِ الْمُضْمَرِ لَا بِالِابْتِدَاءِ مَجْرَى قَوْلِكَ: أَوِصالٌ يَدومُ أَو هَلَّا وِصال يَدُوم؟ وَنَظِيرُ ذَلِكَ حَرْفُ الْجَرِّ فِي نَحْوَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا؛ فَمَا أَصلحتْ رُبَّ لِوُقُوعِ الْفِعْلِ بَعْدَهَا ومنعتْها وقوعَ الِاسْمِ الَّذِي هُوَ لَهَا فِي الأَصل بَعْدَهَا، فَكَمَا فَارَقَتْ رُبَّ بِتَرْكِيبِهَا مَعَ مَا حكمَها قَبْلَ أَن تركَّب مَعَهَا، فَكَذَلِكَ فارقتْ طالَ وقَلَّ بِالتَّرْكِيبِ الْحَادِثِ فِيهِمَا مَا كَانَتَا عَلَيْهِ مِنْ طَلَبِهِمَا الأَسماء، أَلا تَرَى أَنْ لَوْ قلتَ طَالَمَا زَيْدٌ عِنْدَنَا أَو قَلَّما مُحَمَّدٌ فِي الدَّارِ لَمْ يَجُزْ؟ وَبَعْدُ فإِنَّ التَّرْكِيبَ يُحْدِث فِي المركَّبَين مَعْنًى لَمْ يَكُنْ قَبْلُ فِيهِمَا، وَذَلِكَ نَحْوُ إِنَّ مُفْرَدَةً فإِنها لِلتَّحْقِيقِ، فإِذا دخلتْها مَا كافَّة صَارَتْ لِلتَّحْقِيرِ كَقَوْلِكَ: إِنَّما أَنا عبدُك، وإِنما أَنا رَسُولٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَقَالُوا: أَقَلُّ امرأَتين تَقُولان ذَلِكَ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَمَّا ضَارَعَ الْمُبْتَدَأُ حرفَ النَّفْيِ بَقَّوُا المبتدأَ بِلَا خَبَرٍ. وأَقَلَّ: افتقَرَ. والإِقْلالُ: قِلَّة الجِدَةِ، وقَلَّ مالُه. وَرَجُلٌ مُقِلٌّ وأَقَلُّ: فَقِيرٌ. يُقَالُ: فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ بَيْنِ أَثْرَى وأَقَلَّ أَي مِنْ بَيْنِ النَّاسِ كُلِّهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>