للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأَحسن مَقِيلًا، فأَنزل اللَّهُ تَعَالَى: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا

، قَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ بَعْضُ المحدِّثين يُرْوَى

أَنه يُفْرَغ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ فِي نِصْف ذَلِكَ الْيَوْمِ فَيَقِيلُ أَهل الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وأَهلُ النَّارِ فِي النَّارِ

، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا

، قَالَ: وَأَهل الْكَلَامِ إِذا اجْتَمَعَ لَهُمْ أَحمق وَعَاقِلٌ لَمْ يَسْتَجِيزُوا أَن يَقُولُوا: هَذَا أَحمق الرَّجُلَيْنِ وَلَا أَعْقل الرَّجُلَيْنِ، وَيَقُولُونَ: لَا تَقُولُ هَذَا أَعْقل الرَّجُلَيْنِ إِلا لِعَاقِلٍ يفضُل عَلَى صَاحِبِهِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَدْ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا فَجَعَلَ أَهل الْجَنَّةِ خَيْرًا مستَقرًّا مِنْ أَهل النَّارِ، وَلَيْسَ فِي مستَقرِّ أَهل النَّارِ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ، فَاعْرِفْ ذَلِكَ مِنْ خَطَئِهِمْ، وَقَالَ أَبو طَالِبٍ: إِنما جَازَ ذَلِكَ لأَنه مَوْضِعٌ فَيُقَالُ هَذَا الْمَوْضِعُ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وإِذا كَانَ نَعْتًا لَمْ يَسْتَقِمْ أَن يَكُونَ نعتُ وَاحِدٍ لِاثْنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، قَالَ الأَزهري: وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الزجَّاج وَقَالَ: يُفْرَق بَيْنَ المَنازِل والنُّعوت. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والقَيْلولة عِنْدَ الْعَرَبِ والمَقِيلُ الِاسْتِرَاحَةُ نِصْفَ النَّهَارِ إِذا اشتدَّ الْحَرُّ وإِن لَمْ يَكُنْ مَعَ ذَلِكَ نَوْمٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَن الْجَنَّةَ لَا نَوْمَ فِيهَا. وَرُوِيَ فِي الْحَدِيثِ:

قِيلوا، فإِن الشَّيَاطِينَ لَا تَقِيل.

وَفِي الْحَدِيثِ:

كَانَ لَا يُقِيلُ مَالًا وَلَا يُبِيتُه

أَي كَانَ لَا يُمسِك مِنَ الْمَالِ مَا جَاءَهُ صَبَاحًا إِلى وقْت الْقَائِلَةِ، وَمَا جَاءَهُ مَسَاءً لَا يُمسِكه إِلى الصَّبَاحِ. والمَقِيل والقَيْلولة: الِاسْتِرَاحَةُ نصفَ النَّهَارِ وإِن لَمْ يَكُنْ مَعَهَا نَوْمٌ، يُقَالُ: قَالَ يَقِيلُ قَيْلُولَة، فَهُوَ قَائِل. وَمِنْهُ حَدِيثِ

زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْل: مَا مُهاجِرٌ كمَن قَالَ

، وَفِي رِوَايَةٍ:

مَا مُهَجِّر

، أَي لَيْسَ مَنْ هاجَر عَنْ وَطَنه أَو خَرَجَ فِي الهاجِرة كمَن سكَن فِي بَيْتِهِ عِنْدَ الْقَائِلَةِ وأَقام بِهِ، وَفِي حَدِيثِ

أُمِّ مَعْبَد:

رَفِيقَيْنِ قَالا خَيْمَتَيْ أُمّ مَعْبَدِ

أَي نَزَلَا فِيهَا «٤» عِنْدَ الْقَائِلَةِ إِلا أَنه عدَّاه بِغَيْرِ حَرْفِ جرٍّ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ بِتِعْهِن وَهُوَ قَائِل السُّقْيا

، تِعْهِنُ والسُّقْيا: مَوْضِعَانِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، أَي أَنه يَكُونُ بالسُّقْيا وقْتَ الْقَائِلَةِ، أَو هُوَ مِنَ القوْل أَي يَذْكُرُ أَنه يَكُونُ بالسُّقْيا، وَمِنْهُ حَدِيثُ الْجَنَائِزِ:

هَذِهِ فُلانة مَاتَتْ ظُهْراً وأَنت صَائِمٌ قَائِلٌ

أَي سَاكِنٌ فِي الْبَيْتِ عِنْدَ الْقَائِلَةِ، وَفِي شِعْرِ ابْنِ رَواحة:

اليَوْمَ نَضْرِبْكُم عَلَى تَنْزِيلِه، ... ضَرْباً يُزِيلُ الهَامَ عَنْ مَقِيلِه

الهامُ: جمعُ هامةٍ وَهِيَ أَعلى الرأْس، ومَقِيلُه: مَوْضِعُهُ، مستعارٌ مِنْ مَوْضِعِ الْقَائِلَةِ، وَسُكُونُ الْبَاءِ مِنْ نَضْرِبْكم مِنْ جَائِزَاتِ الشِّعْرِ، وموضعُها الرفعُ. وتَقَيَّلوا: نَامُوا فِي الْقَائِلَةِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَا يُقَالُ مَا أَقْيَلَه، استَغْنوا عَنْهُ بِمَا أَنْوَمَهُ كَمَا قَالُوا تركْتُ وَلَمْ يَقُولُوا ودَعْتُ لَا لعلَّةٍ. وَرَجُلٌ قَائِلٌ وَالْجَمْعُ قُيَّلٌ، بِالتَّشْدِيدِ، وقُيَّال، والقَيْلُ اسْمٌ لِلْجَمْعِ كالشَّرْب والصَّحْب والسَّفْر، قَالَ:

إِن قَالَ قَيْلٌ لَمْ أَقِلْ فِي القُيَّل

فَجَاءَ بالجَمْعَيْن، وقَيل: هُوَ جَمْعُ قَائِل. وَمَا أَكْلأَ قَائِلَتَه أَي نَوْمَه، فَأَمَّا قَوْلُ الْعَجَّاجِ:

إِذا بَدَا دُهانِجٌ ذُو أَعْدَال «٥»

فَقَدْ يَكُونُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ قَالَ كضرَّاب وشَتَّام،


(٤). قوله [فيها] هكذا في الأصل والنهاية بضمير الإِفراد والمناسب فيهما بضمير التثنية.
(٥). قوله [فَأَمَّا قَوْلُ الْعَجَّاجِ إِذَا بدا إلخ] هكذا في الأصل ولعل الشاهد فيما بعده.

<<  <  ج: ص:  >  >>