للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلْمَيِّتِ وَلَا ولدٍ لَهُ فَهُوَ كلالةُ مَوْرُوثِه، وَهَذَا مُشْتَقٌّ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ مُوَافِقٌ لِلتَّنْزِيلِ والسُّنة، وَيَجِبُ عَلَى أَهل الْعِلْمِ مَعْرِفَتُهُ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ عَلَيْهِمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِليه مِنْهُ؛ وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الكَلالة قَوْلُهُ: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ مَا تَرَكَ

(الْآيَةَ)؛ فَجَعَلَ الكَلالة هَاهُنَا الأُخت للأَب والأُم والإِخوة للأَب والأُم، فَجَعَلَ للأُخت الْوَاحِدَةِ نصفَ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ، وللأُختين الثُّلُثَيْنِ، وللإِخوة والأَخوات جَمِيعَ الْمَالِ بَيْنَهُمْ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثيين، وَجَعَلَ للأَخ والأُخت مِنَ الأُم، فِي الْآيَةِ الأُولى، الثُّلُثَ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ، فَبَيَّنَ بسِياق الْآيَتَيْنِ أَن الكَلالة تَشْتَمِلُ عَلَى الإِخوة للأُم مرَّة، وَمَرَّةً عَلَى الإِخوة والأَخوات للأَب والأُم؛ وَدَلَّ قَوْلُ الشَّاعِرِ أَنَّ الأَب لَيْسَ بكَلالة، وأَنَّ سَائِرَ الأَولياء مِنَ العَصَبة بَعْدَ الْوَلَدِ كَلالة؛ وَهُوَ قَوْلُهُ:

فإِنَّ أَب المَرْء أَحْمَى لَهُ، ... ومَوْلَى الكَلالة لَا يغضَب

أَراد: أَن أَبا الْمَرْءِ أَغضب لَهُ إِذا ظُلِم، وَمَوَالِي الْكَلَالَةِ، وَهُمُ الإِخوة والأَعمام وَبَنُو الأَعمام وَسَائِرُ الْقِرَابَاتِ، لَا يغضَبون لِلْمَرْءِ غَضَب الأَب. ابن الْجَرَّاحِ: إِذا لَمْ يَكُنِ ابْنُ الْعَمِّ لَحًّا وَكَانَ رَجُلًا مِنَ الْعَشِيرَةِ قَالُوا: هُوَ ابْنُ عَمِّي الكَلالةُ وابنُ عَمِّ كَلالةٍ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن العَصَبة وإِن بَعُدوا كَلالة، فَافْهَمْهُ؛ قَالَ: وَقَدْ فسَّرت لَكَ مِنْ آيَتَيِ الكَلالة وإِعرابهما مَا تَشْتَفِي بِهِ ويُزيل اللَّبْسَ عَنْكَ، فَتَدَبَّرْهُ تَجِدْهُ كَذَلِكَ؛ قَالَ: قَدْ ثَبَّجَ اللَّيْثُ مَا فَسَّرَهُ مِنَ الكَلالة فِي كِتَابِهِ وَلَمْ يُبَيِّنِ الْمُرَادَ مِنْهُ، وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: اعْلَمْ أَن الكَلالة فِي الأَصل هِيَ مَصْدَرُ كَلَّ الميتُ يَكِلُّ كَلًّا وكَلالة، فَهُوَ كَلٌّ إِذا لَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا وَلَا وَالِدًا يرِثانه، هَذَا أَصلها، قَالَ: ثُمَّ قَدْ تَقَعُ الكَلالة عَلَى الْعَيْنِ دُونَ الحدَث، فَتَكُونُ اسْمًا لِلْمَيِّتِ المَوْروث، وإِن كَانَتْ فِي الأَصل اسْمًا للحَدَث عَلَى حدِّ قَوْلِهِمْ: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ أَي مَخْلُوقُ اللَّهِ؛ قَالَ: وَجَازَ أَن تَكُونَ اسْمًا لِلْوَارِثِ عَلَى حدِّ قَوْلِهِمْ: رَجُلٌ عَدْل أَي عَادِلٌ، وماءٌ غَوْر أَي غَائِرٌ؛ قَالَ: والأَول هُوَ اخْتِيَارُ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَن الكَلالة اسْمٌ لِلْمَوْرُوثِ، قَالَ: وَعَلَيْهِ جاء التَّفْسِيرِ فِي الْآيَةِ: إِن الكَلالة الَّذِي لَمْ يخلِّف وَلَدًا وَلَا وَالِدًا، فإِذا جَعَلْتَهَا لِلْمَيِّتِ كَانَ انْتِصَابُهَا فِي الْآيَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَن تَكُونَ خَبَرَ كَانَ تَقْدِيرُهُ: وإِن كَانَ الْمَوْرُوثُ كَلالةً أَي كَلًّا لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَن يَكُونَ انْتِصَابُهَا عَلَى الْحَالِ من الضمير في يُورَث أَي يورَث وَهُوَ كَلالة، وَتَكُونُ كَانَ هِيَ التَّامَّةَ الَّتِي لَيْسَتْ مُفْتَقِرَةً إِلى خَبَرٍ، قَالَ: وَلَا يَصِحُّ أَن تَكُونَ النَّاقِصَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَوْفِيُّ لأَن خَبَرَهَا لَا يَكُونُ إِلا الكَلالة، وَلَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِهِ يورَث، وَالتَّقْدِيرُ إِن وقَع أَو حضَر رَجُلٌ يَمُوتُ كَلالة أَي يورَث وَهُوَ كَلالة أَي كَلّ، وإِن جَعَلْتَهَا للحدَث دُونَ الْعَيْنِ جَازَ انْتِصَابُهَا عَلَى ثَلَاثَةُ أَوجه: أَحدها أَن يَكُونَ انْتِصَابُهَا عَلَى الْمَصْدَرِ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ يورَث وِراثة كَلالةٍ كَمَا قَالَ الْفَرَزْدَقُ:

ورِثْتُم قَناة المُلْك لَا عَنْ كَلالةٍ

أَي وَرِثْتُمُوهَا وِراثة قُرْب لَا وِراثة بُعْد؛ وَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْل:

وَمَا سَوَّدَتْني عامِرٌ عَنْ كَلالةٍ، ... أَبى اللهُ أَنْ أَسْمُو بأُمٍّ وَلَا أَب

وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: هُوَ ابْنُ عَمٍّ كَلالةً أَي بَعِيدَ النِّسَبِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>