للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأَنصار أَعرابٌ، إِنما هُمْ عَرَبٌ لأَنهم اسْتَوطَنُوا القُرَى العَرَبية، وسَكَنُوا المُدُنَ، وسواء مِنْهُمُ النَّاشِئُ بالبَدْوِ ثُمَّ اسْتَوْطَنَ القُرَى، والنَّاشِئُ بِمَكَّةَ ثُمَّ هَاجَرَ إِلى الْمَدِينَةِ، فإِن لَحِقَتْ طائفةٌ مِنْهُمْ بأَهل البَدْوِ بَعْدَ هِجْرَتِهِمْ، واقْتَنَوْا نَعَماً، ورَعَوْا مَسَاقِطَ الغَيْث بعد ما كَانُوا حاضِرَةً أَو مُهاجِرَةً، قِيلَ: قَدْ تَعَرَّبوا أَي صاروا أَعْراباً، بعد ما كَانُوا عَرَباً. وَفِي الْحَدِيثِ:

تَمَثَّل فِي خُطْبتِه مُهاجِرٌ لَيْسَ بِأَعْرابيّ

، جَعَلَ المُهاجِرَ ضِدَّ الأَعْرابيِّ. قَالَ: والأَعْراب سَاكِنُو الْبَادِيَةِ مِنَ العَرَب الَّذِينَ لَا يُقِيمُونَ فِي الأَمصارِ، وَلَا يَدْخُلُونَهَا إِلّا لِحَاجَةٍ. والعَرَب: هَذَا الْجِيلُ، لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَسَوَاءٌ أَقام بِالْبَادِيَةِ والمُدُن، والنسبةُ إِليهما أَعْرابيٌّ وعَرَبيٌّ. وَفِي الْحَدِيثِ:

ثَلاثٌ «٢» مِنَ الْكَبَائِرِ، مِنْهَا التَّعَرُّبُ بَعْدَ الهِجْرة

: هُوَ أَن يَعُودَ إِلَى الْبَادِيَةِ ويُقِيمَ مَعَ الأَعْراب، بَعْدَ أَن كَانَ مُهاجراً. وَكَانَ مَنْ رَجَع بَعْدَ الهِجْرة إِلى مَوْضِعِهِ مِن غَيْرِ عُذْر، يَعُدُّونه كالمُرْتد. وَمِنْهُ حَدِيثُ

ابْنِ الأَكْوَعِ: لَمَّا قُتِلَ عثمانُ خَرَج إِلى الرَّبَذة وأَقام بِهَا، ثُمَّ إِنه دَخَلَ عَلَى الحَجَّاج يَوْمًا، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ الأَكْوَع ارتددتَ على عَقِبك وتَعَرَّبْتَ

، قَالَ: وَيُرْوَى بِالزَّايِ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ: والعَرَبُ أَهلُ الأَمصار، والأَعْرابُ مِنْهُمْ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ خَاصَّةً. وتَعَرَّبَ أَي تَشَبَّه بالعَرب، وتَعَرَّبَ بَعْدَ هِجْرَتِهِ أَي صَارَ أَعرابياً. والعَرَبِيَّةُ: هِيَ هَذِهِ اللُّغَةُ. واخْتَلَفَ الناسُ فِي العَرَبِ لمَ سُمُّوا عَرَباً فَقَالَ بعضُهم: أَوَّلُ مَنْ أَنطق اللَّهُ لسانَه بِلُغَةِ الْعَرَبِ يَعْرُبُ بنْ قَحْطانَ، وَهُوَ أَبو اليَمن كُلِّهِمْ، وهمْ العَرَبُ الْعَارِبَةُ، ونَشأَ إِسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، مَعَهُمْ فتَكلَّم بِلِسَانِهِمْ، فَهُوَ وأَولاده: العَرَبُ المُستَعربة، وَقِيلَ: إِن أَولاد إسماعيل نَشَؤُوا بعَرَبَة، وَهِيَ مِنْ تِهامة، فنُسِبُوا إِلى بَلَدِهم. وَرُوِيَ

عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: خمسةُ أَنبياءَ مِنَ العَرب، وَهُمْ: مُحَمَّدٌ، وَإِسْمَاعِيلُ، وَشُعَيْبٌ، وَصَالِحٌ، وَهُودٌ، صَلَوَاتُ اللَّه عَلَيْهِمْ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لسانَ الْعَرَبِ قَدِيمٌ. وَهَؤُلَاءِ الأَنبياء كُلُّهُمْ كَانُوا يَسْكُنُونَ بلادَ العَرَب، فَكَانَ شُعَيْبٌ وقومُه بأَرْضِ مَدْيَنَ، وَكَانَ صَالِحٌ وقومُه بأَرْضِ ثَمُودَ يَنْزِلُونَ بِنَاحِيَةِ الحِجْر، وَكَانَ هُودٌ وقومُه عادٌ يَنْزِلُونَ الأَحْقافَ مِنْ رِمالِ اليَمن، وَكَانُوا أَهل عَمَدٍ، وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَالنَّبِيُّ المصطفَى مُحَمَّدٌ، صَلَّى اللَّه عليهم وَسَلَّمَ، مِنْ سُكَّانِ الحَرم. وكلُّ مَن سَكَنَ بلادَ الْعَرَبِ وجَزيرَتَها، ونَطَقَ بلسانِ أَهلها، فَهُمْ عَرَبٌ يَمَنُهم ومَعَدُّهم. قَالَ الأَزهري: والأَقرب عِنْدِي أَنهم سُمُّوا عَرَباً بِاسْمِ بَلَدِهِمُ الْعَرَبَاتِ. وَقَالَ إسحاقُ بْنُ الفَرَج: عَرَبةُ باحَةُ العَرب، وباحةُ دارِ أَبي الفَصاحة، إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَفِيهَا يَقُولُ قَائِلُهُمْ:

وعَرْبةُ أَرضٌ مَا يُحِلُّ حَرامَها، ... مِنَ النَّاسِ، إِلَّا اللَّوْذَعِيُّ الحُلاحِل

يَعْنِي النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُحِلَّتْ لَهُ مَكةُ سَاعَةً مِنْ نَهار، ثُمَّ هِيَ حَرَامٌ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ: واضطرَّ الشَّاعِرُ إِلى تَسْكِينِ الرَّاءِ مِنْ عَرَبة، فَسَكَّنَهَا، وأَنشد قَوْلَ الْآخَرِ:

ورُجَّتْ باحةُ العَرَباتِ رَجًّا، ... تَرَقْرَقُ، فِي مَناكِبها، الدماءُ


(٢). قوله [وفي الحديث ثلاث إلخ] كذا بالأصل والذي في النهاية وقيل ثلاث إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>