عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنه قرأَها:
وحِرْمٌ على قَرْيَةٍ أَهلكناها
؛ فَسُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ: عَزْمٌ عَلَيْهَا. وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها
؛ يَحْتَاجُ هَذَا إِلى تَبْيين فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيَّنْ، قَالَ: وَهُوَ، وَاللَّهُ أَعلم، أَن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا قَالَ: فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ، أَعْلَمنا أَنه قَدْ حَرَّمَ أَعْمَالَ الْكُفَّارِ، فَالْمَعْنَى حَرامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهلكناها أَن يُتَقَبَّل مِنْهُمْ عَمَلٌ، لأَنهم لَا يَرْجِعُونَ أَي لَا يَتُوبُونَ؛ وَرُوِيَ أَيضاً
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قَالَ فِي قَوْلِهِ: وحِرْمٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهلكناها، قَالَ: واجبٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهلكناها أَنه لَا يَرْجِعُ مِنْهُمْ رَاجِعٌ
أَي لَا يَتُوبُ مِنْهُمْ تَائِبٌ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الزَّجَّاجُ، وَرَوَى الْفَرَّاءُ بإِسناده
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وحِرْمٌ
؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: أَي وَاجِبٌ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِنما تَأَوَّلَ الْكِسَائِيُّ وَحَرامٌ
فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى وَاجِبٍ، لِتَسْلَمَ لَهُ لَا مِنَ الزِّيَادَةِ فَيَصِيرَ الْمَعْنَى عِنْدَهُ واجبٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهلكناها أَنهم لَا يَرْجِعُونَ، وَمِنْ جَعَلَ حَراماً بِمَعْنَى الْمَنْعِ جَعَلَ لَا زَائِدَةً تَقْدِيرُهُ وحَرامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهلكناها أَنهم يَرْجِعُونَ، وَتَأْوِيلُ الْكِسَائِيِّ هُوَ تأْويل ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَيُقَوِّي قَوْلَ الْكِسَائِيِّ إِن حَرام فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى وَاجِبٌ قولُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُمانَةَ المُحاربيّ جَاهِلِيٌّ:
فإِنَّ حَراماً لَا أَرى الدَّهْرَ باكِياً ... عَلَى شَجْوِهِ، إِلَّا بَكَيْتُ عَلَى عَمْرو
وَقَرَأَ أَهل الْمَدِينَةِ وَحَرامٌ
، قَالَ الْفَرَّاءُ: وحَرامٌ أَفشى فِي الْقِرَاءَةِ. وحَرِيمٌ: أَبو حَيّ. وحَرامٌ: اسْمٌ. وَفِي الْعَرَبِ بُطون يُنْسَبُونَ إِلى آلِ حَرامٍ «١» بَطْنٌ من بني تميم وبَطْنٌ فِي جُذام وَبَطْنٌ فِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ. وحَرامٌ: مَوْلَى كُلَيْبٍ. وحَريمةُ: رَجُلٌ مِنْ أَنجادهم؛ قَالَ الكَلْحَبَةُ اليَرْبوعيّ:
فأَدْرَكَ أَنْقاءَ العَرَادةِ ظَلْعُها، ... وَقَدْ جَعَلَتْني مِنْ حَريمةَ إِصْبَعا
وحَرِمٌ: اسْمُ مَوْضِعٌ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
حَيِّ دارَ الحَيِّ لَا حَيَّ بِهَا، ... بِسِخالٍ فأُثالٍ فَحَرِمْ
والحَيْرَمُ: الْبَقَرُ، وَاحِدَتُهَا حَيْرَمة؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
تَبَدَّلَ أُدْماً مِنْ ظِباءٍ وحَيْرَما
قَالَ الأَصمعي: لَمْ نَسْمَعْ الحَيْرَمَ إِلا فِي شِعْرِ ابْنِ أَحمر، وَلَهُ نَظَائِرُ مَذْكُورَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا. قَالَ ابْنُ جِنِّي: والقولُ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَنَحْوِهَا وجوبُ قَبُولِهَا، وَذَلِكَ لِمَا ثبتتْ بِهِ الشَّهادةُ مِنْ فَصاحة ابْنِ أَحمر، فإِما أَن يَكُونَ شَيْئًا أَخذه عَمَّنْ نَطَقَ بِلُغَةٍ قَدِيمَةٍ لَمْ يُشارَكْ فِي سَمَاعِ ذَلِكَ مِنْهُ، عَلَى حَدِّ مَا قُلْنَاهُ فِيمَنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ، وَهُوَ فَصِيحٌ كَقَوْلِهِ فِي الذُّرَحْرَح الذُّرَّحْرَحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وإِما أَن يَكُونَ شَيْئًا ارْتَجَلَهُ ابْنُ أَحمر، فإِن الأَعرابي إِذا قَوِيَتْ فصاحتُه وسَمَتْ طبيعتُه تصرَّف وَارْتَجَلَ مَا لَمْ يَسْبِقْهُ أَحد قَبْلَهُ، فَقَدْ حُكِيَ عَنْ رُؤبَة وأَبيه: أَنهما كَانَا يَرْتَجِلان أَلفاظاً لَمْ يَسْمَعَاهَا وَلَا سُبِقا إِليها، وَعَلَى هَذَا قَالَ أَبو عُثْمَانَ: مَا قِيس عَلَى كَلَامِ العَرَب فَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. ابْنُ الأَعرابي: الحَيْرَمُ الْبَقَرُ، والحَوْرَمُ الْمَالُ الْكَثِيرُ مِنَ الصامِتِ وَالنَّاطِقِ. والحِرْمِيَّةُ: سِهام تُنْسَبُ إِلى الحَرَمِ، والحَرَمُ قَدْ يَكُونُ الحَرامَ، وَنَظِيرُهُ زَمَنٌ وزَمانٌ.
(١). قوله [إِلى آل حرام] هذه عبارة المحكم وليس فيها لفظ آل