وَرَجُلٌ حُطَمٌ وحُطَمَةٌ إِذا كَانَ قَلِيلَ الرَّحْمَةِ لِلْمَاشِيَةِ يَهْشِمُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. وَفِي المَثَلِ: شَرُّ الرِّعاءِ الحُطَمَةُ «١»؛ ابْنُ الأَثير: هُوَ العنيفُ بِرِعَايَةِ الإِبل فِي السَّوْق والإِيراد والإِصْدارِ، ويُلْقي بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ويَعْسِفُها، ضَرَبَهُ مَثَلًا لِوالي السُّوءِ، وَيُقَالُ أَيضاً حُطَمٌ، بِلَا هَاءٍ. وَمِنْهُ حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَتْ قُرَيْشٌ إِذا رأَتْهُ فِي حَرْب قَالَتْ: احْذَرُوا الحُطَمَ، احْذَرُوا القُطَمَ
وَمِنْهُ قَوْلُ الْحَجَّاجِ فِي خُطْبَتِهِ:
قَدْ لَفّها الليلُ بسَوّاق حُطَم
أَيْ عَسُوف عنيفٍ. والحُطَمَةُ: مِنْ أَبنية الْمُبَالَغَةِ وَهُوَ الَّذِي يَكْثُرُ مِنْهُ الحَطْمُ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ النَّارُ الحُطَمَةَ لأَنها تَحْطِمُ كُلَّ شَيْءٍ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
رأَيت جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
الأَزهري: الحُطَمةُ هُوَ الرَّاعِي الَّذِي لَا يُمَكِّنُ رَعِيَّتَهُ مِنَ الْمَرَاتِعِ الخَصيبة وَيَقْبِضُهَا وَلَا يَدَعُها تَنْتَشِرُ فِي المَرْعى، وحُطَمٌ إِذا كَانَ عَنِيفًا كأَنه يَحْطِمُها أَي يَكْسِرُهَا إِذا سَاقَهَا أَوْ أَسامها يَعْنُفُ بِهَا؛ وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي قَوْلِهِ:
قَدْ لَفَّها الليلُ بسَوَّاق حُطَمْ
هُوَ للحُطَمِ القَيْسِيّ، وَيُرْوَى لأَبي زُغْبَة الخَزْرَجيّ يَوْمَ أُحُدٍ؛ وَفِيهَا:
أَنا أَبو زُغْبَةَ أَعْدو بالهَزَمْ، ... لَنْ تُمْنَعَ المَخْزاةُ إِلَّا بالأَلَمْ
يَحْمِي الذِّمار خَزْرَجِيٌّ مِنْ جُشَمْ، ... قَدْ لَفَّها الليلُ بسَوَّاقٍ حُطَمْ
الهَزَمُ: مِنَ الِاهْتِزَامِ وَهُوَ شِدَّةُ الصَّوْتِ، وَيَجُوزُ أَن يُرِيدَ الهَزِيمة. وَقَوْلُهُ بِسَوَّاقٍ حُطَمٍ أَي رَجُلٍ شَدِيدِ السَّوْقِ لَهَا يَحْطِمُها لِشِدَّةِ سَوْقِهِ، وَهَذَا مَثَلٌ، وَلَمْ يُرِدْ إِبلًا يَسُوقُهَا وإِنما يُرِيدُ أَنه دَاهِيَةٌ مُتَصَرِّفٌ؛ قَالَ: وَيُرْوَى الْبَيْتُ لرُشَيْد بْنِ رُمَيْضٍ العَنَزِيِّ مِنْ أَبيات:
بَاتُوا نِياماً، وابنُ هِنْدٍ لَمْ يَنَمْ ... بَاتَ يُقَاسِيهَا غُلَامٌ كالزَّلَمْ،
خَدَلَّجُ السَّاقَيْنِ خَفَّاقُ القَدَمْ، ... ليْسَ بِراعي إبِلٍ وَلَا غَنَمْ،
وَلَا بِجَزَّار عَلَى ظَهْرِ وَضَمْ
ابْنُ سِيدَهْ: وانْحَطَمَ الناسُ عَلَيْهِ تَزَاحَمُوا؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
سَوْدَةَ: إِنها استأْذَنَتْ أَن تَدْفَعَ مِنْ مِنىً قَبْلَ حَطْمةِ النَّاسِ
أَي قَبْلَ أَن يَزْدَحِمُوا ويَحْطِمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَفِي حَدِيثُ تَوْبَةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ:
إِذَنْ يَحْطِمُكم الناسُ
أَيْ يَدُوسُونَكُمْ وَيَزْدَحِمُونَ عَلَيْكُمْ، وَمِنْهُ سُمِّيَ حَطيمُ مَكَّةَ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، وَقِيلَ: هُوَ الحِجْر المُخْرَجُ مِنْهَا، سُمِّيَ بِهِ لأَن الْبَيْتَ رُفِع وَتُرِكَ هُوَ مَحْطوماً، وَقِيلَ: لأَن الْعَرَبَ كَانَتْ تَطْرَحُ فِيهِ مَا طَافَتْ بِهِ مِنَ الثِّيَابِ، فَبَقِيَ حَتَّى حُطِمَ بِطُولِ الزَّمَانِ، فَيَكُونُ فَعيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ. وَفِي حَدِيثِ الْفَتْحِ:
قَالَ للعبَّاس احْبِسْ أَبا سُفْيانَ عِنْدَ حَطْمِ الجَبَل
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَتْ فِي كِتَابِ أَبي مُوسَى، وَقَالَ: حَطْمُ الجَبَل الْمَوْضِعُ الَّذِي حُطِمَ مِنْهُ أَيْ ثُلِمَ فَبقي مُنْقَطِعًا، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَن يُرِيدَ عِنْدَ مَضِيقِ الجَبَل حَيْثُ يَزْحَمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبو نَصْرٍ الْحُمَيْدِيُّ فِي كِتَابِهِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَفَسَّرَهَا فِي غَرِيبِهِ فقال:
(١). قوله [وَفِي الْمَثَلِ شَرُّ الرِّعَاءِ الحطمة] كونه مثلًا لا ينافي كونه حديثاً وكم من الأَحاديث الصحيحة عدت في الأَمثال النبوية، قاله ابن الطيب محشي القاموس راداً به عليه وأَقره الشارح