للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقِيلَ: إنَّ مَا صِلَةٌ أَراد تُسائل أَصَمَّ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ هُنَا لِابْنِ أَحمر:

أَصَمَّ دُعاءُ عاذِلَتي تَحَجَّى ... بآخِرِنا، وتَنْسى أَوَّلِينا

يَدْعُو عَلَيْهَا أَيْ لَا جَعْلَهَا اللَّهُ تَدْعُو إلَّا أصَمَّ. يُقَالُ: نَادَيْتُ فُلَانًا فأَصْمَمْتُه أَيْ أَصَبْتُه أَصَمَّ، وَقَوْلُهُ تَحَجَّى بآخِرنا: تَسْبقُ إِلَيْهِمْ باللَّوْمِ وتَدَعُ الأَوَّلينَ وأَصْمَمْتُه: وَجَدْتُه أَصَمَّ. وَرَجُلٌ أَصَمُّ، وَالْجَمْعُ صُمٌّ وصُمَّانٌ؛ قَالَ الجُلَيْحُ:

يَدْعُو بِهَا القَوْمُ دُعاءَ الصُّمَّانْ

وأَصَمَّه الداءُ وتَصامَّ عَنْهُ وتَصامَّه: أَراه أَنه أَصَمُّ وَلَيْسَ بِهِ. وتَصامَّ عَنِ الْحَدِيثِ وتَصامَّه: أَرى صاحِبَه الصَّمَمَ عَنْهُ؛ قَالَ:

تَصامَمْتُه حَتَّى أَتاني نَعِيُّهُ، ... وأُفْزِعَ مِنْهُ مُخْطئٌ ومُصيبُ

وَقَوْلُهُ أَنْشَدَهُ ثَعْلَبٌ:

ومَنْهَلٍ أَعْوَرِ إحْدى العَيْنَيْن، ... بَصيرِ أُخْرى وأَصَمَّ الأُذُنَيْن

قد تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي تَرْجَمَةِ عَوَرَ. وَفِي حَدِيثِ الإِيمانِ:

الصُّمَّ البُكْمَ «١» رُؤوسَ الناسِ

، جَمْعُ الأَصَمِّ وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْمَعُ، وأَراد بِهِ الَّذِي لَا يَهْتَدي وَلَا يَقْبَلُ الحَقَّ مِنْ صَمَمِ العَقل لَا صَمَمِ الأُذن؛ وَقَوْلُهُ أَنْشَدَهُ ثَعْلَبٌ أَيْضًا:

قُلْ مَا بَدا لَكَ مِنْ زُورٍ وَمِنْ كَذِبٍ ... حِلْمي أَصَمُّ وأُذْني غَيرُ صَمَّاءِ

اسْتَعَارَ الصَّمَم لِلْحِلْمِ وَلَيْسَ بِحَقِيقَةٍ؛ وَقَوْلُهُ أَنْشَدَهُ هُوَ أَيْضًا:

أجَلْ لَا، ولكنْ أنتَ أَلأَمُ مَنْ مَشى، ... وأَسْأَلُ مِنْ صَمَّاءَ ذاتِ صَليلِ

فَسَّرَهُ فَقَالَ: يَعْنِي الأَرض، وصَلِيلُها صَوْتُ دُخولِ الْمَاءِ فِيهَا. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ أَسْأَلُ مِنْ صَمَّاءَ، يَعْنِي الأَرضَ. والصَّمَّاءُ مِنَ الأَرض: الغليظةُ. وأَصَمَّه: وَجَدَه أَصَمَّ؛ وَبِهِ فَسَّرَ ثعلبٌ قولَ ابْنِ أَحمر:

أَصَمَّ دُعاءُ عاذِلَتي تَحَجَّى ... بآخِرِنا، وتَنْسى أَوَّلِينا

أراد وافَقَ قَوماً صُمّاً لَا يَسْمَعون عذْلَها عَلَى وَجْهِ الدُّعاء. وَيُقَالُ: نَادَيْتُهُ فأَصْمَمْتُه أَيْ صادَفْتُه أَصَمَّ. وَفِي حَدِيثِ

جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بكلمةٍ أصَمَّنِيها الناسُ

أَيْ شغَلوني عَنْ سَمَاعِهَا فكأَنهم جَعَلُونِي أَصَمَّ. وَفِي الْحَدِيثِ:

الفِتْنةُ الصَّمَّاءُ العَمْياء

؛ هِيَ الَّتِي لَا سَبِيلَ إِلَى تَسْكِينِهَا لِتَنَاهِيهَا فِي ذَهَابِهَا لأَن الأَصَمَّ لَا يَسْمَعُ الِاسْتِغَاثَةَ وَلَا يُقْلِعُ عَمَّا يَفْعَلُه، وَقِيلَ: هِيَ كَالْحَيَّةِ الصَّمَّاء الَّتِي لَا تَقْبَلُ الرُّقى؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

والفاجِرُ كالأَرْزَةِ صَمَّاءَ

أَيْ مُكْتَنزةً لَا تَخَلْخُلَ فِيهَا. اللَّيْثُ: الصَّمَمُ فِي الأُذُنِ ذهابُ سَمْعِها، في القَناة اكْتِنازُ جَوفِها، وَفِي الْحَجَرِ صَلابَتُه، وَفِي الأَمر شدَّتُه. وَيُقَالُ: أُذُنٌ صَمَّاءُ وقَناة صَمَّاءُ وحَجَرٌ أَصَمُّ وفِتْنَةٌ صَمَّاءُ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْكَافِرِينَ: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ

؛ التَّهْذِيبُ: يَقُولُ القائلُ كَيْفَ جعلَهم اللَّهُ صُمّاً وَهُمْ يَسْمَعُونَ، وبُكْماً وَهُمْ نَاطِقُونَ، وعُمْياً وَهُمْ يُبْصِرون؟ وَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ أَنَّ سَمْعَهُم لَمَّا لَمْ يَنْفَعْهم لأَنهم


(١). قوله [الصم البكم] بالنصب مفعول بالفعل قبله، وهو كما في النهاية: وأن ترى الحفاة العراة الصم إلخ

<<  <  ج: ص:  >  >>