قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ لمعديكرِب بن الحرث بْنِ عَمْرِو بْنِ حُجْر آكِلِ المُرار الكِنْدي الْمَعْرُوفُ بغَلْفاء يَرْثي أَخَاهُ شُرَحْبِيل، وَلَيْسَ هُوَ لِعَمْرِو بْنِ معديكرب الزُّبَيدي؛ وَبَعْدَهُ:
تَداعَتْ حَوْلَهُ جُشَمُ بنُ بَكْرٍ، ... وأسْلَمَهُ جَعاسِيسُ الرِّباب
قَالَ: وَلَا يُسْتَعْمَلُ تَعَلَّمْ بِمَعْنَى اعْلَمْ إِلَّا فِي الأَمر؛ قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ قَيْسِ بْنِ زُهَيْرٍ:
تَعَلَّمْ أنَّ خَيْرَ الناسِ مَيْتاً
وقول الحرث بْنِ وَعْلة:
فَتَعَلَّمِي أنْ قَدْ كَلِفْتُ بِكُمْ
قَالَ: واسْتُغْني عَنْ تَعَلَّمْتُ بِعَلِمْتُ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: تَعَلَّمْتُ أَنَّ فُلَانًا خَارِجٌ بِمَنْزِلَةِ عَلِمْتُ. وتعالَمَهُ الجميعُ أَيْ عَلِمُوه. وعالَمَهُ فَعَلَمَه يَعْلُمُه، بِالضَّمِّ: غَلَبَهُ بالعِلْم أَيْ كَانَ أعْلَم مِنْهُ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: مَا كُنْتُ أُراني أَن أَعْلُمَه؛ قَالَ الأَزهري: وَكَذَلِكَ كَلُّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْبَابِ بِالْكَسْرِ فِي يَفْعلُ فَإِنَّهُ فِي بَابِ الْمُغَالَبَةِ يَرْجِعُ إِلَى الرَّفْعِ مِثْلَ ضارَبْتُه فَضَرَبْتُهُ أضْرُبُه. وعَلِمَ بِالشَّيْءِ: شَعَرَ. يُقَالُ: مَا عَلِمْتُ بِخَبَرِ قُدُومِهِ أَيْ مَا شَعَرْت. وَيُقَالُ: اسْتَعْلِمْ لِي خَبَر فُلَانٍ وأَعْلِمْنِيه حَتَّى أَعْلَمَه، واسْتَعْلَمَني الخبرَ فأعْلَمْتُه إِيَّاهُ. وعَلِمَ الأَمرَ وتَعَلَّمَه: أَتقنه. وَقَالَ يَعْقُوبُ: إِذَا قِيلَ لَكَ اعْلَمْ كَذَا قُلْتَ قَدْ عَلِمْتُ، وَإِذَا قِيلَ لَكَ تَعَلَّمْ لَمْ تَقُلْ قَدْ تَعَلَّمْتُ؛ وَأَنْشَدَ:
تَعَلَّمْ أنَّهُ لَا طَيْرَ إِلَّا ... عَلى مُتَطَيِّرٍ، وَهِيَ الثُّبُور
وعَلِمْتُ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَلِذَلِكَ أَجازوا عَلِمْتُني كَمَا قَالُوا ظَنَنْتُني ورأَيْتُني وحسِبْتُني. تَقُولُ: عَلِمْتُ عَبْدَ اللَّهِ عَاقِلًا، وَيَجُوزُ أَنْ تَقُولَ عَلِمْتُ الشَّيْءَ بِمَعْنَى عَرَفْته وخَبَرْته. وعَلِمَ الرَّجُلَ: خَبَرَه، وأَحبّ أَنْ يَعْلَمَه أَيْ يَخْبُرَه. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ
. وَأَحَبَّ أَنْ يَعْلَمه أَيْ أَنْ يَعْلَمَ مَا هُوَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ
. قَالَ الأَزهري: تَكَلَّمَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، قَالَ: وأبْيَنُ الْوُجُوهِ الَّتِي تأوَّلوا أَنَّ الملَكين كَانَا يُعَلِّمانِ الناسَ وَغَيْرَهُمْ مَا يُسْأَلانِ عَنْهُ، ويأْمران بِاجْتِنَابِ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ وطاعةِ اللَّهِ فِيمَا أُمِروا بِهِ ونُهُوا عَنْهُ، وَفِي ذَلِكَ حِكْمةٌ لأَن سَائِلًا لَوْ سَأَلَ: مَا الزِّنَا وَمَا اللِّوَاطُ؟ لَوَجَبَ أَنْ يُوقَف عَلَيْهِ وَيُعْلَمَ أَنَّهُ حَرَامٌ، فَكَذَلِكَ مجازُ إِعْلَامِ المَلَكين الناسَ السحرَ وأمْرِهِما السائلَ بِاجْتِنَابِهِ بَعْدَ الإِعلام. وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنَّهُ قَالَ: تَعَلَّمْ بِمَعْنَى اعْلَمْ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ
، قَالَ: وَمَعْنَاهُ أَنَّ السَّاحِرَ يَأْتِي الْمَلَكَيْنِ فَيَقُولُ: أخْبراني عَمَّا نَهَى اللهُ عَنْهُ حَتَّى أَنْتَهِيَ، فَيَقُولَانِ: نَهَى عَنِ الزِّنَا، فَيَسْتَوْصِفُهما الزِّنَا فيَصِفانِه فيقول: وعمَّا ذا؟ فَيَقُولَانِ: وَعَنِ اللِّوَاطِ، ثُمَّ يقول: وعَمَّا ذا؟ فَيَقُولَانِ: وَعَنِ السِّحْرِ، فَيَقُولُ: وَمَا السِّحْرُ؟ فَيَقُولَانِ: هُوَ كَذَا، فَيَحْفَظُهُ وَيَنْصَرِفُ، فَيُخَالِفُ فَيَكْفُرُ، فَهَذَا مَعْنَى يُعلِّمان إِنَّمَا هُوَ يُعْلِمان، وَلَا يَكُونُ تَعْلِيمُ السِّحْرِ إِذَا كَانَ إعْلاماً كُفْرًا، وَلَا تَعَلُّمُه إِذَا كَانَ عَلَى مَعْنَى الْوُقُوفِ عَلَيْهِ لِيَجْتَنِبَهُ كُفْرًا، كَمَا أَنَّ مَنْ عَرَفَ الزِّنَا لَمْ يأْثم بِأَنَّهُ عَرَفه إِنَّمَا يأْثم بِالْعَمَلِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ
؛ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: إِنَّهُ جلَّ ذكرُه يَسَّرَه لأَن يُذْكَر، وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَّمَهُ الْبَيانَ
فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ عَلَّمَه الْقُرْآنَ الَّذِي فِيهِ