قومِك، فتبسَّم النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: بَلِ الدَّمُ الدَّمُ والهَدَمُ الهَدَمُ، أَنا مِنْكُمْ وأَنتم مِنِّي
؛ يُروى بِسُكُونِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا، فالهَدَم، بِالتَّحْرِيكِ: القَبْرُ يَعْنِي أُقْبَرُ حَيْثُ تُقْبَرون، وَقِيلَ: هُوَ المنزلُ أَي منزِلُكم مَنزِلي، كَحَدِيثِهِ الْآخَرِ:
المَحْيا مَحْياكم والمماتُ مماتُكم
أَي لَا أُفارِقُكم. والهَدْم، بِالسُّكُونِ وَبِالْفَتْحِ أَيضاً: هُوَ إِهدارُ دَمِ القتيلِ؛ يُقَالُ: دِماؤهم بَيْنَهُمْ هَدْمٌ أَي مُهْدَرةٌ، وَالْمَعْنَى إِن طُلِب دَمُكم فَقَدْ طُلِبَ دَمي، وإِن أُهْدِرَ دَمُكم فَقَدْ أُهْدِرَ دَمي لاستِحكام الأُلْفة بَيْنَنَا، وَهُوَ قولٌ مَعْرُوفٌ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: دَمي دَمُك وهَدَمِي هَدَمُك، وَذَلِكَ عِنْدَ المُعاهَدةِ والنُّصْرة. وَرَوَى الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي قَالَ: العربُ تَقُولُ دَمي دمُك وهَدَمِي هَدَمُك؛ هَكَذَا رَوَاهُ بِالْفَتْحِ، قَالَ: وَهَذَا فِي النُّصْرة، والظُّلْم تَقُولُ: إِن ظُلِمْتَ فَقَدْ ظُلِمْتُ؛ قَالَ وأَنشدني العُقَيلي:
دَماً طَيِّباً يَا حَبَّذا أَنت مِنْ دَمِ
وَكَانَ أَبو عُبَيْدَةَ يَقُولُ: هُوَ الهَدَمُ الهَدَمُ واللَّدَمُ اللَّدَمُ أَي حُرْمتي مَعَ حُرْمتِكم وبَيتي مَعَ بَيْتِكم؛ وأَنشد:
ثُمَّ الْحَقي بِهَدَمي ولَدَمي
أَي بأَصلي ومَوْضِعي. وأَصل الهَدَم مَا انْهَدَم. يُقَالُ: هَدَمْت هَدْماً، والمَهْدومُ هَدَمٌ، وَسُمِّيَ منزلُ الرَّجُلِ هَدَماً لانْهِدامِه، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَجُوزُ أَن يُسمَّى القبرُ هَدَماً لأَنه يُحْفَر تُرابُه ثُمَّ يُرَدُّ، تُرابه فِيهِ، فَهُوَ هَدَمٌ، فكأَنه قَالَ: مَقْبَرِي مَقْبَرُكم أَي لَا أَزالُ مَعَكُمْ حَتَّى أَموتَ عِنْدَكُمْ. وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ فِي الحِلْف: دَمي دمُك إِن قَتَلني إِنسانٌ طَلَبْتَ بدَمي كَمَا تَطْلُبُ بدَمِ ولِيِّك أَي ابْنِ عَمِّك وأَخِيك، وهَدَمي هَدَمُك أَي مَنْ هَدَمَ لِي عِزّاً وشَرَفاً فَقَدْ هَدَمه مِنْكَ. وكلُّ مَنْ قَتل ولِيِّي، فَقَدْ قَتل ولِيَّك، ومَنْ أَراد هَدْمَك فَقَدْ قصَدني بِذَلِكَ. قَالَ الأَزهري: وَمَنْ رَوَاهُ الدَّمُ الدَّمُ والهَدْمُ الهَدْمُ، فَهُوَ عَلَى قَوْلِ الحَلِيف تَطْلُب بدَمي وأَنا أَطلبُ بدَمِك. وَمَا هَدَمْتَ مِنَ الدِّماء هَدَمْتُ أَي مَا عَفَوْتَ عَنْهُ وأَهْدَرْتَه فَقَدْ عفوتُ عَنْهُ وتركتُه. وَيُقَالُ: إِنهم إِذا احْتَلَفوا قَالُوا هَدَمي هَدَمُك ودَمي دَمُك وتَرِثُني وأَرِثُك، ثُمَّ نسَخ اللَّهُ بِآيَاتِ المَواريثِ مَا كَانُوا يَشْترِطونه مِنَ المِيراث فِي الحِلْف والهِدْمُ، بِالْكَسْرِ: الثوبُ الخلَقُ المُرَقَّعُ، وَقِيلَ: هُوَ الكِساءُ الَّذِي ضُوعِفت رِقاعُه، وخصَّ ابنُ الأَعرابي بِهِ الكِساءَ الباليَ مِنَ الصوفِ دُونَ الثوبِ، وَالْجَمْعُ أَهْدَامٌ وهِدَمٌ؛ الأَخيرة عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، وَهِيَ نَادِرَةٌ؛ وَقَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ:
وَذَاتُ هِدْمٍ عارٍ نَواشِرُها، ... تُصْمِتُ بالماءِ تَوْلَباً جَدِعا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ وذاتُ، بِالرَّفْعِ، لأَنه مَعْطُوفٌ عَلَى فَاعِلٍ قَبْلَهُ؛ وَهُوَ:
لِيُبْكِكَ الشَّرْبُ والمُدامةُ والفِتْيانُ، ... طُرّاً، وطامِعٌ طَمِعا
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَبي دُواد:
هَرَقْتُ فِي صُفْنِه مَاءً لِيَشْرَبَه ... فِي داثِرٍ خَلَق الأَعْضادِ أَهْدَامِ
وَفِي حَدِيثِ عُمر:
وقَفَتْ عَلَيْهِ عجوزٌ عَشَمةٌ بأَهْدَامٍ
؛ الأَهْدامُ: الأَخْلاقُ مِنَ الثِّيَابِ. وهَدَمْتُ الثَّوْبَ إِذا رَقَعته. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ: لبِسْنا أَهْدَام البِلى
، وَرُوِيَ عَنِ الصَّمُوتيِّ الْكِلَابِيِّ وذكرَ حِبَّةَ الأَرض فَقَالَ: تَنْحَلُّ فيأُخُذُ بعضُها رِقابَ بعضٍ