للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا بينَكم، وَاعْتَمَدَ الفراءُ وغيرُه مِنَ النَّحْوِيِّينَ قراءةَ ابْنِ مَسْعُودٍ لِمَنْ قرأَ بَيْنَكُمْ*

، وَكَانَ أَبو حَاتِمٍ يُنْكِر هَذِهِ القراءةَ وَيَقُولُ: مَنْ قرأَ بَيْنَكُمْ

لَمْ يُجِزْ إِلَّا بمَوْصول كَقَوْلِكَ مَا بينَكم، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ حذفُ الْمَوْصُولِ وَبَقَاءُ الصلةِ، لَا تُجيزُ العربُ إِنْ قامَ زيدٌ بِمَعْنَى إِنَّ الَّذِي قَامَ زيدٌ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبو حَاتِمٍ خَطَأٌ، لأَن اللَّهَ جَلّ ثَنَاؤُهُ خاطَبَ بِمَا أَنزَل فِي كِتَابِهِ قَوْمًا مُشْرِكِينَ فَقَالَ: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ

؛ أَراد لَقَدْ تَقَطَّعَ الشِّرْكُ بَيْنَكُمْ أَي فِيمَا بينَكم، فأَضمرَ الشركَ لِمَا جرَى مِنْ ذِكْر الشُّركاء، فَافْهَمْهُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: مَن قرأَ بِالنَّصْبِ احْتَمَلَ أَمرين: أَحدُهما أَن يكونَ الفاعلُ مضمَراً أَي لَقَدْ تقطَّع الأَمرُ أَو العَقْدُ أَو الودُّ بينَكم، والآخرُ مَا كَانَ يراهُ الأَخفشُ مِنْ أَن يكونَ بَيْنَكُمْ، وَإِنْ كَانَ منصوبَ اللَّفْظِ مرفوعَ الموضِع بِفِعْلِهِ، غيرَ أَنه أُقِرّتْ عَلَيْهِ نَصْبةُ الظَّرْفِ، وَإِنْ كَانَ مرفوعَ الْمَوْضِعِ لاطِّراد اسْتِعْمَالِهِمْ إِيَّاهُ ظَرْفًا، إِلَّا أَن استعمالَ الْجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ صفةٌ لِلْمُبْتَدَإِ مكانَه أَسهلُ مِنِ استعمالِها فاعِلةً، لأَنه لَيْسَ يَلزمُ أَن يَكُونَ المبتدأُ اسْمًا مَحْضًا كَلُزُومِ ذَلِكَ فِي الْفَاعِلِ، أَلا تَرَى إِلَى قَوْلِهِمْ: تسمعُ بالمُعَيْدِيِّ خيرٌ مِنْ أَن تَرَاهُ؛ أَي سماعُك بِهِ خيرٌ مِنْ رؤْيتك إِيَّاهُ. وَقَدْ بانَ الحيُّ بَيْناً وبَيْنونةً؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:

فهاجَ جَوًى فِي القَلْب ضَمَّنه الهَوَى ... بِبَيْنُونةٍ، يَنْأَى بِهَا مَنْ يُوادِعُ

والمُبايَنة: المُفارَقَة. وتَبايَنَ القومُ: تَهاجَرُوا. وغُرابُ البَين: هُوَ الأَبْقَع؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:

ظَعَنَ الَّذِينَ فِراقَهم أَتَوَقَّعُ، ... وجَرَى ببَيْنِهمُ الغُرابُ الأَبْقَعُ

حَرِقُ الجَناحِ كأَنَّ لحْيَيْ رأْسِه ... جَلَمانِ، بالأَخْبارِ هَشٌّ مُولَعُ

وَقَالَ أَبو الغَوث: غرابُ البَيْنِ هُوَ الأَحمرُ المِنْقارِ والرِّجْلينِ، فأَما الأَسْود فإِنه الحاتِمُ لأَنه يَحْتِمُ بِالْفِرَاقِ. وَتَقُولُ: ضربَه فأَبانَ رأْسَه مِنْ جسدِه وفَصَلَه، فَهُوَ مُبِينٌ. وَفِي حَدِيثِ الشُّرْب:

أَبِنِ القَدَحَ عَنْ فِيكَ

أَي افْصِلْه عَنْهُ عِنْدَ التنفُّس لِئَلَّا يَسْقُط فِيهِ شيءٌ مِنَ الرِّيق، وَهُوَ مِنَ البَينِ البُعْد والفِراق. وَفِي الْحَدِيثِ فِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

لَيْسَ بِالطَّوِيلِ البائِن

أَي المُفْرِطِ طُولًا الَّذِي بَعُدَ عَنْ قَدِّ الرِّجَالِ الطِّوال، وبانَ الشيءُ بَيْناً وبُيوناً. وَحَكَى الفارسيُّ عَنْ أَبي زَيْدٍ: طَلَبَ إِلَى أَبَوَيْه البائنةَ، وَذَلِكَ إِذَا طَلَب إِلَيْهِمَا أَن يُبِيناهُ بِمَالٍ فيكونَ لَهُ عَلَى حِدَةٍ، وَلَا تكونُ البائنةُ إِلَّا مِنَ الأَبوين أَو أَحدِهما، وَلَا تكونُ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَقَدْ أَبانَه أَبواه إِبانةً حَتَّى بانَ هُوَ بِذَلِكَ يَبينُ بُيُوناً. وَفِي حَدِيثِ

الشَّعْبي قَالَ: سمعتُ النُّعْمانَ بْنَ بَشيرٍ يَقُولُ: سمعتُ رسولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وطَلَبَتْ عَمْرةُ إِلَى بَشِيرِ بْنِ سعدٍ أَن يُنْحِلَني نَحْلًا مِنْ مَالِهِ وأَن يَنْطلِقَ بِي إِلى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، فيُشْهدَه فَقَالَ: هَلْ لَكَ مَعَهُ ولدٌ غيرُه؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ أَبَنْتَ كلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمِثْلِ الَّذِي أَبَنتَ هَذَا؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنِّي لَا أَشهَدُ عَلَى هَذَا، هَذَا جَورٌ، أَشهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي، اعْدِلوا بَيْنَ أَولادكم في النِّحْل [النُّحْل] كَمَا تُحِبُّون أَن يَعْدلوا بَيْنَكُمْ فِي البرِّ واللُّطف

؛ قَوْلُهُ: هَلْ أَبَنْتَ كلَّ وَاحِدٍ أَي هَلْ أَعْطَيْتَ كلَّ واحدٍ مَالًا تُبِينُه بِهِ أَي تُفْرِدُه، وَالِاسْمُ البائنةُ. وَفِي حَدِيثِ

الصِّدِّيقِ: قَالَ لِعَائِشَةَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>