بِالْوَاوِ لأَنه لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ اثْنَيْنِ، وَقَالُوا: بَيْنا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ حَدَثَ كَذَا؛ قَالَ أَنشده سِيبَوَيْهِ:
فبَيْنا نَحْنُ نَرْقُبُه، أَتانا ... مُعَلّق وَفْضةٍ، وزِناد راعِ
إِنَّمَا أَراد بَيْنَ نَحْنُ نَرْقبُهُ أَتانا، فأَشْبَعَ الْفَتْحَةَ فحدَثتْ بَعْدَهَا أَلفٌ، فإِن قِيلَ: فلِمَ أَضافَ الظرفَ الَّذِي هُوَ بَيْن، وَقَدْ عَلِمْنَا أَن هَذَا الظرفَ لَا يُضَافُ مِنَ الأَسماء إِلَّا لِمَا يدلُّ عَلَى أَكثر مِنَ الْوَاحِدِ أَو مَا عُطف عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِالْوَاوِ دُونَ سَائِرِ حُرُوفِ الْعَطْفِ نَحْوَ المالُ بينَ القومِ والمالُ بَيْنَ زيدٍ وَعَمْرٍو، وقولُه نَحْنُ نرقُبُه جملةٌ، وَالْجُمْلَةُ لَا يُذْهَب لَهَا بَعْدَ هَذَا الظرفِ؟ فالجواب: أَن هاهنا وَاسِطَةً محذوفةٌ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ بينَ أَوقاتِ نَحْنُ نرْقُبُه أَتانا أَي أَتانا بَيْنَ أَوقات رَقْبَتِنا إِيَّاهُ، والجُمَلُ مِمَّا يُضافُ إِلَيْهَا أَسماءُ الزَّمَانِ نَحْوَ أَتيتك زمنَ الحجاجُ أَميرٌ، وأَوانَ الخليفةُ عبدُ المَلِك، ثُمَّ إِنَّهُ حُذِفَ المضافُ الَّذِي هُوَ أَوقاتٌ ووَليَ الظَّرْفُ الَّذِي كَانَ مُضَافًا إِلَى الْمَحْذُوفِ الْجُمْلَةُ الَّتِي أُقيمت مُقامَ الْمُضَافِ إِلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ؛ أَي أَهلَ الْقَرْيَةِ، وَكَانَ الأَصمعيُّ يَخْفِضُ بعدَ بَيْنا إِذَا صلَح فِي مَوْضِعِهِ بَيْنَ ويُنشِد قَوْلَ أَبي ذُؤَيْبٍ بِالْكَسْرِ:
بَيْنا تَعَنُّقِه الكُماةَ ورَوْغِه، ... يَوْمًا، أُتِيحَ لَهُ جَرِيءٌ سَلْفَعُ
وغيرُه يرفعُ مَا بعدَ بَيْنا وبَيْنَما عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ، وَالَّذِي يُنْشِدُ برَفع تَعنُّقِه وبخفْضِها «١». قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ومثلُه فِي جَوَازِ الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ بَعْدَهَا قولُ الْآخَرِ:
كُنْ كيفَ شِئْتَ، فقَصْرُك الموتُ، ... لَا مَزْحَلٌ عَنْهُ وَلَا فَوْتُ
بَيْنا غِنَى بيتٍ وبَهْجَتِهِ، ... زالَ الغِنَى وتَقَوَّضَ البيتُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ تأْتي إذْ فِي جَوَابِ بَيْنَا كَمَا قَالَ حُمَيْد الأَرقط:
بَيْنا الفَتى يَخْبِطُ فِي غَيْساتِه، ... إِذِ انْتَمَى الدَّهْرُ إِلَى عِفْراتِه
وَقَالَ آخَرُ:
بيْنا كَذَلِكَ، إذْ هاجَتْ هَمَرَّجةٌ ... تَسْبي وتَقْتُل، حَتَّى يَسْأَمَ الناسُ
وَقَالَ الْقُطَامِيُّ:
فبَيْنا عُمَيْرٌ طامحُ الطَّرف يَبْتَغي ... عُبادةَ، إذْ واجَهْت أَصحَم ذَا خَتْر
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ يدلُّ عَلَى فسادِ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ إنَّ إِذْ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي جَوَابِ بَيْنما بِزِيَادَةِ مَا، وَهَذِهِ بعدَ بَيْنا كَمَا تَرَى؛ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ أَنه قَدْ جَاءَ بَيْنما وَلَيْسَ فِي جَوَابِهَا إِذْ كَقَوْلِ ابْنِ هَرْمة فِي بَابِ النَّسيبِ مِنَ الحَماسةِ:
بينما نحنُ بالبَلاكِثِ فالْقاعِ ... سِراعاً، والعِيسُ تَهْوي هُوِيّا
خطَرَتْ خَطْرةٌ عَلَى القلبِ من ذكراكِ ... وهْناً، فَمَا استَطَعتُ مُضِيّاً
وَمِثْلُهُ قَوْلُ الأَعشى:
بَيْنَما المرءُ كالرُّدَيْنيّ ذي الجُبَّةِ ... سَوَّاه مُصْلِحُ التَّثْقِيفِ،
رَدَّه دَهْرُه المُضَلّلُ، حَتَّى ... عادَ مِنْ بَعْدِ مَشْيِه التَّدْليفِ
وَمِثْلُهُ قَوْلُ أَبي دُوَادٍ:
بَيْنما المرءُ آمِنٌ، راعَهُ رائعُ ... حَتْفٍ لَمْ يَخْشَ مِنْهُ انْبِعاقَهْ
وَفِي الْحَدِيثِ:
بَيْنا نَحْنُ عِنْدَ رسولِ اللَّهِ، صَلَّى الله
(١). قوله: [والذي ينشد إلى وبخفضها؛ هكذا في الأَصل، ولعل في الكلام سقطاً