يَا عَجَبًا وَقَدْ رَأَيْتُ عَجَبَا ... حِمَارَ قَبَّانٍ يَسُوقُ أَرْنَبَاخَاطِمَهَا زأَّمها أَنْ تَذْهَبَا ... فَقُلْتُ أَرْدِفْنِي فَقَالَ مَرْحَبَا. فَقِيلَ: أَراد بجِدِّي، وَذَلِكَ أَن لَفْظَ ج ن إِنَّمَا هُوَ مَوْضُوعٌ للتستُّر عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بجنِّي لأَن الجِدَّ مِمَّا يُلابِسُ الفِكْرَ ويُجِنُّه القلبُ، فكأَنَّ النَّفْسَ مُجِنَّةٌ لَهُ ومُنْطوية عَلَيْهِ. وَقَالَتِ امرأَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَهُ: أَجَنَّك مِنْ أَصحاب رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ الْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ مِنْ أَجْلِ أَنك فترَكَتْ مِنْ، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ تدَعُ مِن مَعَ أَجْل، كَمَا يُقَالُ فعلتُ ذَلِكَ أَجْلَك وإِجْلَك، بِمَعْنَى مِن أَجْلِك، قَالَ: وَقَوْلُهَا أَجَنَّك، حُذِفَتِ الأَلف وَاللَّامُ وأُلْقِيَت فتحةُ الْهَمْزَةِ عَلَى الْجِيمِ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي؛ يُقَالُ: إِنَّ مَعْنَاهُ لكنْ أَنا هُوَ اللَّهُ ربِّي فَحُذِفَ الأَلف، وَالْتَقَى نُونانِ فَجَاءَ التَّشْدِيدُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ أَنشده الْكِسَائِيُّ:لَهِنَّكِ مِنْ عَبْسِيّة لَوَسيمةٌ ... عَلَى هَنَواتٍ كاذِبٍ مَنْ يَقُولُهاأَراد لِلَّهِ إنَّك، فَحَذَفَ إِحْدَى اللامَينِ مَنْ لِلَّهِ، وحذَفَ الأَلف مِنْ إنَّك، كَذَلِكَ حُذِفَتْ اللامُ مِنْ أَجل والهمزةُ مِنْ إنَّ؛ أَبو عُبَيْدٍ فِي قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:أَجْلَ أَنَّ اللهَ قَدْ فَضَّلَكم، ... فوقَ مَن أَحْكى بصُلْبٍ وَإِزَارْ. الأَزهري قَالَ: وَيُقَالُ إجْل وَهُوَ أَحبُّ إِلَيَّ، أَراد مِنْ أَجْلِ؛ وَيُرْوَى:فَوْقَ مَن أَحكأَ صُلْبًا بِإِزَارْ. أَراد بالصلْب الحَسَبَ، وبالإِزارِ العِفَّةَ، وَقِيلَ: فِي قَوْلِهِمْ أَجِنَّك كَذَا أَي مِنْ أَجلِ أَنك فَحَذَفُوا الأَلف وَاللَّامَ اخْتِصَارًا، وَنَقَلُوا كَسْرَةَ اللَّامِ إِلَى الْجِيمِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:أَجِنَّكِ عنْدي أَحْسَنُ الناسِ كلِّهم، ... وأَنكِ ذاتُ الخالِ والحِبَراتِ. وجِنُّ الشَّبابِ: أَوَّلُه، وَقِيلَ: جِدَّتُه ونشاطُه. وَيُقَالُ: كَانَ ذَلِكَ فِي جِنِّ صِباه أَي فِي حَدَاثَتِه، وَكَذَلِكَ جِنُّ كلِّ شَيْءٍ أَوَّلُ شِدّاته، وجنُّ المرَحِ كَذَلِكَ؛ فأَما قَوْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute