مَعَهَا وَتَقُولُ:
لَئِنْ فَتَنَتْنِي لَهْيَ بالأَمس أَفتنت ... سَعِيدًا، فأَمسى قَدْ قَلَا كُلَّ مُسْلِمِ
وأَلْقى مَصابيحَ القِراءةِ، واشْترى ... وِصالَ الغَواني بالكتابِ المُتَمَّمِ
فَقَالَ سَعِيدٌ: كَذَبْتُنَّ كذَبْتنَّ.
والفِتْنةُ: إِعجابُك بِالشَّيْءِ، فتَنَه يَفْتِنُه فَتْناً وفُتُوناً، فَهُوَ فاتِنٌ، وأَفْتَنَه؛ وأَباها الأَصمعي بالأَلف فأَنشد بَيْتَ رُؤْبَةَ:
يُعْرِضْنَ إِعْراضاً لدِينِ المُفْتِنِ
فَلَمْ يُعْرَفِ الْبَيْتُ فِي الأُرجوزة؛ وأَنشد الأَصمعي أَيضاً:
لَئِنْ فتَنَتْني لَهْيَ بالأَمسِ أَفتنتْ
فَلَمْ يَعْبأْ بِهِ، وَلَكِنَّ أَهل اللُّغَةِ أَجازوا اللُّغَتَيْنِ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: فتَنَه جَعْلَ فِيهِ فِتْنةً، وأَفْتَنه أَوْصَلَ الفِتْنة إِلَيْهِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِذا قَالَ أَفْتَنْتُه فَقَدْ تَعَرَّضَ لفُتِنَ، وإِذا قَالَ فتَنْتُه فَلَمْ يتعرَّض لفُتِنَ. وَحَكَى أَبو زَيْدٍ: أُفْتِنَ الرجلُ، بِصِيغَةِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، أَي فُتِنَ. وَحَكَى الأَزهري عَنِ ابْنِ شُمَيْلٍ: افْتَتَنَ الرجلُ وافْتُتِنَ لُغَتَانِ، قَالَ: وَهَذَا صَحِيحٌ، قَالَ: وأَما فتَنْتُه ففَتَنَ فَهِيَ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: فُتِنَ الرجلُ يُفْتَنُ فُتُوناً إِذا أَراد الْفُجُورَ، وَقَدْ فتَنْته فِتْنةً وفُتُوناً، وَقَالَ أَبو السَّفَر: أَفْتَنْتُه إِفْتاناً، فَهُوَ مُفْتَنٌ، وأُفْتِنَ الرَّجُلُ وفُتِنَ، فَهُوَ مَفْتُون إِذا أَصابته فِتْنة فَذَهَبَ مَالُهُ أَو عَقْلُهُ، وَكَذَلِكَ إِذا اخْتُبِرَ. قَالَ تَعَالَى: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً
. وَقَدْ فتَنَ وافْتَتَنَ، جَعَلَهُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا، وفتَّنْتُه تَفْتِيناً فَهُوَ مُفَتَّنٌ أَي مَفْتُون جِدًّا. والفُتُون أَيضاً: الافْتِتانُ، يتعدَّى وَلَا يتعدَّى؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: قَلْبٌ فاتِنٌ أَي مُفْتَتِنٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
رَخِيمُ الكلامِ قَطِيعُ القِيامِ، ... أَمْسى فُؤادي بِهَا فاتِنا
والمَفْتُونُ: الفِتْنة، صِيغَ الْمَصْدَرُ عَلَى لَفْظِ الْمَفْعُولِ كالمَعْقُول والمَجْلُودِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ
؛ قَالَ أَبو إِسحق: مَعْنَى المَفْتُونِ الَّذِي فُتِنَ بِالْجُنُونِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: مَعْنَى الْبَاءِ الطَّرْحُ كأَنه قَالَ أَيُّكم المَفْتُونُ؛ قَالَ أَبو إِسحق: وَلَا يَجُوزُ أَن تَكُونَ الْبَاءُ لَغْواً، وَلَا ذَلِكَ جَائِزٌ فِي العربِية، وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلنَّحْوِيِّينَ: أَحدهما أَن المفْتُونَ هَاهُنَا بِمَعْنَى الفُتُونِ، مَصْدَرٌ عَلَى الْمَفْعُولِ، كَمَا قَالُوا مَا لَهُ مَعْقُولٌ وَلَا مَعْقُودٌ رَأْيٌ، وَلَيْسَ لِفُلَانٍ مَجْلُودٌ أَي لَيْسَ لَهُ جَلَدٌ وَمِثْلُهُ المَيْسُورُ والمَعْسُورُ كأَنه قَالَ بأَيِّكم الفُتون، وَهُوَ الجُنون، وَالْقَوْلُ الثَّانِي فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ فِي أَيِّ الفَريقينِ المَجْنونُ أَي فِي فِرْقَةِ الإِسلام أَو فِي فِرْقَةِ الْكُفْرِ، أَقامَ الْبَاءَ مُقَامَ فِي؛ وَفِي الصِّحَاحِ: إِن الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ
زَائِدَةٌ كَمَا زِيدَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً*؛ قَالَ: والمَفْتُون الفِتْنةُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ كالمَحْلُوفِ والمَعْقول، وَيَكُونُ أَيُّكم الِابْتِدَاءَ وَالْمَفْتُونُ خَبَرُهُ؛ قَالَ: وَقَالَ الْمَازِنِيُّ المَفتون هُوَ رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا قَبْلَهُ خَبَرُهُ كَقَوْلِهِمْ بِمَنْ مُرورُك وَعَلَى أَيِّهم نُزُولُك، لأَن الأَول فِي مَعْنَى الظَّرْفِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِذا كَانَتِ الْبَاءُ زَائِدَةً فَالْمَفْتُونُ الإِنسان، وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ، فإِن جُعِلَتِ الْبَاءُ غَيْرَ زَائِدَةٍ فَالْمَفْتُونُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الفُتُونِ. وافْتَتَنَ فِي الشَّيْءِ: فُتِن فِيهِ. وفتَنَ إِلى النساءِ فُتُوناً وفُتِنَ إِليهن: أَراد الفُجُور بهنَّ. والفِتْنة: الضَّلَالُ والإِثم. والفاتِنُ: المُضِلُّ عَنِ الْحَقِّ. والفاتِنُ: الشَّيْطَانُ لأَنه يُضِلُّ العِبادَ، صِفَةٌ غَالِبَةٌ. وَفِي حَدِيثِ
قَيْلَة: المُسْلم أَخو المُسْلم يَسَعُهُما الماءُ والشجرُ وَيَتَعَاوَنَانِ عَلَى الفَتَّانِ
؛ الفَتَّانُ: الشيطانُ الَّذِي يَفْتِنُ النَّاسَ بِخداعِه وَغُرُورِهِ وتَزْيينه الْمَعَاصِي، فإِذا نَهَى الرجلُ أَخاه عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ