وَاللَّهُ مُكَوِّنُ الأَشياء يُخْرِجُهَا مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ. وَبَاتَ فُلَانٌ بكِينةِ سَوْءٍ وبجِيبةِ سَوْءٍ أَي بِحَالَةِ سَوءٍ. وَالْمَكَانُ: الْمَوْضِعُ، وَالْجَمْعُ أَمْكِنة وأَماكِنُ، توهَّموا الْمِيمَ أَصلًا حَتَّى قَالُوا تَمَكَّن فِي الْمَكَانِ، وَهَذَا كَمَا قَالُوا فِي تَكْسِيرِ المَسِيل أَمْسِلة، وَقِيلَ: الْمِيمُ فِي الْمَكَانِ أَصل كأَنه مِنَ التَّمَكُّن دُونَ الكَوْنِ، وَهَذَا يُقَوِّيهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَكْسِيرِهِ عَلَى أَفْعِلة؛ وَقَدْ حَكَى سِيبَوَيْهِ فِي جَمْعِهِ أَمْكُنٌ، وَهَذَا زَائِدٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَن وَزْنَ الْكَلِمَةِ فَعَال دُونَ مَفْعَل، فَإِنْ قُلْتَ فَإِنَّ فَعَالًا لَا يُكْسَرُ عَلَى أَفْعُل إِلَّا أَن يَكُونَ مُؤَنَّثًا كأَتانٍ وآتُنٍ. اللَّيْثُ: الْمَكَانُ اشتقاقُه مَنْ كَانَ يَكُونُ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَثُرَ فِي الْكَلَامِ صَارَتِ الْمِيمُ كأَنها أَصلية، والمكانُ مُذَكَّرٌ، قِيلَ: تَوَهَّمُوا «١». فِيهِ طَرْحَ الزَّائِدِ كأَنهم كَسَّروا مَكَناً وأَمْكُنٌ، عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، مِمَّا كُسِّرَ عَلَى غَيْرِ مَا يُكَسَّرُ عَلَيْهِ مثلُه، ومَضَيْتُ مَكانتي ومَكِينَتي أَيْ عَلَى طِيَّتي. والاستِكانة: الْخُضُوعُ. الْجَوْهَرِيُّ: والمَكانة الْمَنْزِلَةُ. وفلانٌ مَكِينٌ عِنْدَ فُلَانٍ بَيِّنُ الْمَكَانَةِ. وَالْمَكَانَةُ: الْمَوْضِعُ. قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ
؛ قَالَ: وَلَمَّا كَثُرَ لُزُومُ الْمِيمِ تُوُهِّمت أَصلية فَقِيلَ تَمَكَّن كَمَا قَالُوا مِنَ الْمِسْكِينِ تَمَسْكَنَ؛ ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ ذَلِكَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مَكِينٌ فَعِيل ومَكان فَعال ومَكانةٌ فَعالة لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مِنَ الكَوْن فَهَذَا سهوٌ، وأَمْكِنة أَفْعِلة، وأَما تَمَسْكَنَ فَهُوَ تَمَفْعل كتَمَدْرَع مُشْتَقًّا مِنَ المِدْرَعة بِزِيَادَتِهِ، فَعَلَى قِيَاسِهِ يَجِبُ فِي تمكَّنَ تمَكْونَ لأَنه تمفْعل عَلَى اشْتِقَاقِهِ لَا تمكَّنَ، وتمكَّنَ وَزْنُهُ تفَعَّلَ، وَهَذَا كُلُّهُ سَهْوٌ وَمَوْضِعُهُ فَصْلُ الْمِيمِ مِنْ بَابِ النُّونِ، وَسَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ. وَكَانَ وَيَكُونُ: مِنَ الأَفعال الَّتِي تَرْفَعُ الأَسماء وَتَنْصِبُ الأَخبار، كَقَوْلِكَ كَانَ زَيْدٌ قَائِمًا وَيَكُونُ عَمْرٌو ذَاهِبًا، وَالْمَصْدَرُ كَوْناً وَكَيَانًا. قَالَ الأَخفش فِي كِتَابِهِ الْمَوْسُومِ بِالْقَوَافِي: وَيَقُولُونَ أَزَيْداً كُنْتَ لَهُ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: ظَاهِرُهُ أَنه مَحْكِيٌّ عَنِ الْعَرَبِ لأَن الأَخفش إِنَّمَا يَحْتَجُّ بِمَسْمُوعِ الْعَرَبِ لَا بِمَقِيسِ النَّحْوِيِّينَ، وَإِذَا كَانَ قَدْ سَمِعَ عَنْهُمْ أَزيداً كُنْتَ لَهُ، فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ خَبَرِ كَانَ عَلَيْهَا، قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُفَسِّرُ الْفِعْلَ النَّاصِبَ الْمُضْمَرَ إِلَّا بِمَا لَوْ حُذِفَ مَفْعُولُهُ لَتَسَلَّطَ عَلَى الِاسْمِ الأَول فَنَصَبَهُ، أَلا تَراكَ تَقُولُ أَزيداً ضَرَبْتَهُ، وَلَوْ شِئْتَ لَحَذَفْتَ الْمَفْعُولَ فتسلطتْ ضَرَبْتَ هَذِهِ الظَّاهِرَةُ عَلَى زَيْدٍ نَفْسِهِ فَقُلْتَ أَزيداً ضَرَبْتَ، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ أَزيداً كُنْتَ لَهُ يَجُوزُ فِي قِيَاسِهِ أَن تَقُولَ أَزيداً كُنْتَ، ومثَّل سِيبَوَيْهِ كَانَ بِالْفِعْلِ المتعدِّي فَقَالَ: وَتَقُولُ كُنّاهمْ كَمَا تَقُولُ ضَرَبْنَاهُمْ، وَقَالَ إِذَا لَمْ تَكُنْهم فَمَنْ ذَا يَكُونُهم كَمَا تَقُولُ إِذَا لَمْ تَضْرِبْهُمْ فَمَنْ ذَا يَضْرِبُهُمْ، قَالَ: وَتَقُولُ هُوَ كائِنٌ ومَكُونٌ كَمَا تَقُولُ ضَارِبٌ وَمَضْرُوبٌ. غَيْرُهُ: وَكَانَ تَدُلُّ عَلَى خَبَرٍ ماضٍ فِي وَسَطِ الْكَلَامِ وَآخِرِهِ، وَلَا تَكُونُ صلَةً فِي أَوَّله لأَن الصِّلَةَ تَابِعَةٌ لَا مَتْبُوعَةٌ؛ وَكَانَ فِي مَعْنَى جَاءَ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
إِذَا كانَ الشِّتاءُ فأَدْفئُوني، ... فإنَّ الشَّيْخَ يُهْرِمُه الشِّتاءُ
قَالَ: وَكَانَ تأْتي بِاسْمٍ وَخَبَرٍ، وتأْتي بِاسْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ خَبَرُهَا كَقَوْلِكَ كَانَ الأَمْرُ وَكَانَتِ الْقِصَّةُ أَيْ وَقَعَ الأَمر وَوَقَعَتِ الْقِصَّةُ، وَهَذِهِ تُسَمَّى التَّامَّةَ الْمُكْتَفِيَةَ؛ وَكَانَ تَكُونُ جَزَاءً، قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: اخْتُلِفَ النَّاسُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا
؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ هَاهُنَا صِلَةٌ، وَمَعْنَاهُ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ هُوَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، قَالَ: وَقَالَ الْفَرَّاءُ كَانَ هَاهُنَا شَرْطٌ وَفِي الْكَلَامِ تعَجبٌ، وَمَعْنَاهُ مَنْ يكن
(١). قوله [قيل توهموا إلخ] جواب قوله فإن قيل فهو من كلام ابن سيدة، وما بينهما اعتراض من عبارة الأزهري وحقها التأخر عن الجواب كما لا يخفى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute