للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأَن المَكِنة إِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى التَّمكُّنِ مِثْلَ الطَّلِبَة بِمَعْنَى التَّطَلُّبِ والتَّبِعَةِ بِمَعْنَى التَّتبُّع. يُقَالُ: إنَّ فُلَانًا لَذُو مَكِنةٍ مِنَ السُّلْطَانِ، فَسُمِّيَ مَوْضِعُ الطَّيْرِ مَكِنةً لتمَكُّنه فِيهِ؛ يَقُولُ: دَعُوا الطَّيْرَ عَلَى أَمْكِنتها وَلَا تَطَيَّرُوا بِهَا؛ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيُرْوَى مُكُناتها جَمْعُ مُكُنٍ، ومُكُنٌ جَمْعُ مَكانٍ كصُعُداتٍ فِي صُعُدٍ وحُمُراتٍ فِي حُمُرٍ. وَرَوَى

الأَزهري عَنْ يُونُسَ قَالَ: قَالَ لَنَا الشَّافِعِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَراد الْحَاجَةَ أَتى الطَّيْرَ سَاقِطًا أَو في وَكْرِه فنَفَّرَهُ، فَإِنْ أَخذ ذَاتَ الْيَمِينِ مضى لحاجته، وَإِنْ أَخذ ذَاتَ الشِّمَالِ رَجَعَ، فنَهى رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ ذَلِكَ

؛ قَالَ الأَزهري: وَالْقَوْلُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِلَيْهِ كَانَ يَذْهَبُ ابْنُ عُيَيْنةَ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: النَّاسُ عَلَى سَكِناتِهم ونَزِلاتِهم ومَكِناتِهم، وكلُّ ذِي ريشٍ وكلُّ أَجْرَدَ يَبِيضُ، وَمَا سِوَاهُمَا يَلِدُ، وَذُو الرِّيشِ كُلُّ طَائِرٍ، والأَجْرَدُ مِثْلُ الْحَيَّاتِ والأَوْزاغ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَا شَعَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَشَرَاتِ. والمَكانةُ: التُّؤَدَةُ، وَقَدْ تَمَكَّنَ. ومَرَّ عَلَى مَكِينته أَي عَلَى تُؤَدَتِه. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ امْشِ عَلَى مَكِينتِكَ ومَكانتك وهِينَتِكَ. قَالَ قُطْرُبٌ: يُقَالُ فُلَانٌ يَعْمَلُ عَلَى مَكِينتِه أَي عَلَى اتِّئاده. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ*

؛ أَي عَلَى حيالِكم وَنَاحِيَتِكُمْ؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَي عَلَى مَا أَنتم عَلَيْهِ مُسْتَمْكِنُونَ. الْفَرَّاءُ: لِي فِي قَلْبِهِ مَكانَةٌ ومَوْقِعة ومَحِلَّةٌ. أَبو زَيْدٍ: فُلَانٌ مَكين عِنْدَ فُلَانٍ بَيِّنُ المَكانَةِ، يَعْنِي الْمَنْزِلَةَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ مَا أَمكنه عِنْدَ الأَمير شَاذٌّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ جَاءَ مَكُنَ يَمْكُنُ؛ قَالَ القُلاخُ:

حَيْثُ تَثَنَّى الماءُ فِيهِ فمَكُنْ

قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا أَمْكَنَه عَلَى الْقِيَاسِ. ابْنُ سِيدَهْ: والمَكانةُ المَنْزلة عِنْدَ الْمَلِكِ. وَالْجَمْعُ مَكاناتٌ، وَلَا يُجْمَعُ جَمْعَ التَّكْسِيرِ، وَقَدْ مَكُنَ مَكانَةً فَهُوَ مَكِينٌ، وَالْجَمْعُ مُكَناء. وتَمَكَّنَ كَمَكُنَ. والمُتَمَكِّنُ مِنَ الأَسماء: مَا قَبِلَ الرَّفْعَ وَالنَّصْبَ وَالْجَرَّ لَفْظًا، كَقَوْلِكَ زيدٌ وَزَيْدًا وزيدٍ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْمُنْصَرِفِ كأَحمدَ وأَسْلَمَ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَمَعْنَى قَوْلِ النَّحْوِيِّينَ فِي الِاسْمِ إِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ أَي أَنه مُعْرَبٌ كَعُمَرَ وَإِبْرَاهِيمَ، فَإِذَا انْصَرَفَ مَعَ ذَلِكَ فَهُوَ المُتَمَكِّنُ الأَمْكَنُ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَغَيْرُ الْمُتَمَكِّنِ هُوَ الْمَبْنِيُّ ككَيْفَ وأَيْنَ، قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي الظَّرْفِ إِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ أَنه يُسْتَعْمَلُ مَرَّةً ظَرْفًا وَمَرَّةً اسْمًا، كَقَوْلِكَ: جَلَسْتُ خلْفَكَ، فَتَنْصِبُ، وَمَجْلِسِي خَلْفُكَ، فَتَرْفَعُ فِي مَوْضِعٍ يَصْلُحُ أَن يَكُونَ ظَرْفاً، وَغَيْرُ المُتَمَكِّن هُوَ الَّذِي لَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعٍ يَصْلُحُ أَن يَكُونَ ظَرْفاً إِلَّا ظَرْفًا، كَقَوْلِكَ: لَقِيتُهُ صَبَاحًا وَمَوْعِدُكَ صَبَاحًا، فَتَنْصِبُ فِيهِمَا وَلَا يَجُوزُ الرَّفْعُ إِذَا أَردت صَبَاحَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِعِلَّةٍ تُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَكثر مِنَ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ لَهَا كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يؤْخذ سَمَاعًا عَنْهُمْ، وَهِيَ صباحٌ وَذُو صباحٍ، ومَساء وَذُو مَساء، وعَشِيّة وعِشاءٌ، وضُحىً وضَحْوَة، وسَحَرٌ وبُكَرٌ وبُكْرَةٌ وعَتَمَةٌ، وذاتُ مَرَّةٍ، وذاتُ يَوْمٍ، وليلٌ ونهارٌ وبُعَيْداتُ بَيْنٍ؛ هَذَا إِذَا عَنَيْتَ بهذه الأَوقات يَوْمًا بِعَيْنِهِ، فأَما إِذَا كَانَتْ نَكِرَةً أَو أَدخلت عَلَيْهَا الأَلف وَاللَّامَ تَكَلَّمْتَ بِهَا رَفْعًا وَنَصْبًا وَجَرًّا؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَخبرنا بِذَلِكَ يُونُسُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: كُلُّ مَا عُرِّفَ مِنَ الظُّرُوفِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ التَّعْرِيفِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الظَّرْفِيَّةَ لأَنه ضُمِّنَ مَا لَيْسَ لَهُ فِي أَصل وَضْعِهِ، فَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ: سِيرَ عَلَيْهِ سَحَرٌ، لأَنه مَعْرِفَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>