للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ: سَمِعَهُ وَهُوَ يَقُولُ أَكلْنا وشربْنا وفعَلْنا، يُعَدِّد المكارمَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ كَاذِبٌ؛ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: مَعْنَاهُ تُبَالِي تَنْظُرُ أَيهم أَحسن بَالًا وأَنت هَالِكٌ. قَالَ: وَيُقَالُ بَالَى فلانٌ فُلَانًا مُبَالاةً إِذَا فاخَرَه، وبَالاهُ يُبَالِيهِ إِذَا ناقَصَه، وبَالَى بِالشَّيْءِ يُبَالِي بِهِ إِذَا اهْتَمَّ بِهِ، وَقِيلَ: اشتقاقُ بَالَيْتُ مِنَ البَالِ بالِ النفسِ، وَهُوَ الاكْتِراثُ؛ وَمِنْهُ أَيضاً: لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِي ذَلِكَ الأَمر أَي لَمْ يُكْرِثْني. ورجلٌ بِلْوُ شَرٍّ وبِلْيُ خَيرٍ أَي قَوِيٌّ عَلَيْهِ مُبْتَلًى بِهِ. وَإِنَّهُ لَبِلْوٌ وبِلْيٌ مِنْ أَبْلاءِ المالِ أَي قَيِّمٌ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ لِلرَّاعِي الحسنِ الرِّعْيَة: إِنَّهُ لَبِلْوٌ مِنْ أَبْلائها، وحِبْلٌ مِنْ أَحْبالِها، وعِسْلٌ مِنْ أَعسالها، وزِرٌّ مِنْ أَزرارِها؛ قَالَ عُمَرُ بْنُ لَجَإ:

فصادَفَتْ أَعْصَلَ مِنْ أَبْلائِها، ... يُعْجِبُه النَّزْعُ عَلَى ظَمَائِهَا

قُلِبَتِ الْوَاوُ فِي كُلِّ ذَلِكَ يَاءً لِلْكَسْرَةِ وَضُعِّفَ الْحَاجِزُ فَصَارَتِ الْكَسْرَةُ كأَنها بَاشَرَتِ الْوَاوَ. وَفُلَانٌ بِلْيُ أَسفارٍ إِذَا كَانَ قَدْ بَلاهُ السَّفَرُ والهَمُّ وَنَحْوُهُمَا. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَجَعَلَ ابْنُ جِنِّي الْيَاءَ فِي هَذَا بَدَلًا مِنَ الْوَاوِ لِضَعْفِ حَجْزِ اللَّامِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ فُلَانٌ مِنْ عِلْيَةِ النَّاسِ. وبَلِيَ الثوبُ يَبْلَى بِلًى وبَلاء وأَبْلاه هُوَ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

والمَرْءُ يُبْلِيهِ بَلاءَ السِّربالْ ... كرُّ اللَّيَالِي وانْتِقالُ الأَحوالْ

أَراد: إِبْلَاءَ السِّرْبَالِ، أَو أَراد: فيَبْلى بَلاء السِّربال، إِذَا فَتَحتَ الْبَاءَ مَدَدْتَ وَإِذَا كَسرْتَ قَصَرْتَ، وَمِثْلُهُ القِرى والقَراءُ والصِّلى والصَّلاءُ. وبَلَّاه: كأَبْلاهُ؛ قَالَ العُجَير السَّلُولِيُّ:

وقائِلَةٍ: هَذَا العُجَيْرُ تَقَلَّبَتْ ... بِهِ أَبْطُنٌ بَلَّيْنَهُ وظُهور

رَأَتْني تجاذَبْتُ الغَداةَ، ومَن يَكُنْ ... فَتًى عامَ عامَ الْمَاءِ، فَهْوَ كَبير

وَقَالَ ابْنُ أَحمر:

لَبِسْتُ أَبي حَتَّى تَبَلَّيْتُ عُمْرَه، ... وبَلَّيْتُ أَعْمامِي وبَلَّيْتُ خالِيا

يُرِيدُ أَي عِشْتُ الْمُدَّةَ الَّتِي عَاشَهَا أَبي، وَقِيلَ: عامَرتُه طُول حَيَاتِي، وأَبْلَيْتُ الثَّوبَ. يُقَالُ للمُجِدِّ: أَبْلِ ويُخْلِفُ اللَّهُ، وبَلَّاهُ السَّفَرُ وبَلَّى عَلَيْهِ وأَبْلاه؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي؛

قَلُوصانِ عَوْجاوانِ، بَلَّى عَليهِما ... دُؤوبُ السُّرَى، ثُمَّ اقْتِداحُ الهَواجِر

وناقَةٌ بِلْوُ سفرٍ، بِكَسْرِ الْبَاءِ: أَبلاها السَّفَرُ، وَفِي الْمُحْكَمِ: قَدْ بَلَّاها السَّفَرُ، وبِلْيُ سَفَر وبِلْوُ شَرّ وبِلْيُ شَرٍّ ورَذِيَّةُ سَفَرٍ ورَذِيُّ سَفَر ورَذاةُ سَفَرٍ، وَيُجْمَعُ رَذِيَّات، وَنَاقَةٌ بَلِيَّة: يَمُوتُ صَاحِبُهَا فَيُحْفَرُ لَدَيْهَا حُفْرَةٌ وَتُشَدُّ رأْسها إِلَى خلْفها وتُبْلَى أَي تُتْرَكُ هُنَاكَ لَا تُعْلَفُ وَلَا تُسْقَى حَتَّى تَمُوتَ جُوعًا وَعَطَشًا. كَانُوا يَزْعُمُونَ أَن النَّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رُكْبَانًا عَلَى الْبَلَايَا، أَو مُشاة إِذَا لَمْ تُعْكَس مَطاياهم عَلَى قُبُورِهِمْ، قُلْتُ: فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنهم كَانُوا يَرَوْنَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْبَعْثَ وَالْحَشْرَ بالأَجساد، تَقُولُ مِنْهُ: بَلَّيتُ وأَبْلَيْت؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:

مَنازِل لَا تَرَى الأَنْصابَ فِيهَا، ... وَلَا حُفَرَ المُبَلِّي لِلمَنون

أَي أَنها مَنَازِلُ أَهل الإِسلام دُونَ الْجَاهِلِيَّةِ. وَفِي حَدِيثِ

عَبْدِ الرَّزَّاقِ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْقِرُون عندَ الْقَبْرِ بَقَرة أَو نَاقَةً أَو شَاةً ويُسمُّون العَقِيرَة البَلِيَّة، كَانَ إِذَا مَاتَ لَهُمْ مَنْ يَعِزّ عَلَيْهِمْ أَخذوا نَاقَةً فَعَقَلُوهَا عِنْدَ قَبْرِهِ فَلَا تُعْلَفُ وَلَا تُسْقَى إِلَى أَن تَمُوتَ، وَرُبَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>