بَلْ جَوْز تَيْهاءَ كظَهْرِ الحَجَفَتْ
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ
؛ قَالَ الأَخفش عَنْ بَعْضِهِمْ: إِنَّ بَلْ هاهنا بِمَعْنَى إِنَّ، فَلِذَلِكَ صَارَ الْقَسَمُ عَلَيْهَا؛ قَالَ: وَرُبَّمَا اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِي قَطْعِ كلام واستئناف آخر فينشد الرَّجُلُ مِنْهُمُ الشِّعْرَ فَيَقُولُ:
بَلْ مَا هاجَ أَحزاناً وشَجْواً قَدْ شَجَا
وَيَقُولُ:
بَلْ وبَلْدَةٍ مَا الإِنسُ منْ آهالِها
بني: بَنَا فِي الشَّرَفِ يَبْنُو؛ وعلى هذا تُؤُوِّلَ قَوْلُ الْحَطِيئَةِ:
أُولَئِكَ قومٌ إنْ بَنَوا أَحْسنُوا البُنا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالُوا إِنَّهُ جمعُ بُنْوَة أَو بِنْوَة؛ قَالَ الأَصمعي: أَنشدت أَعرابيّاً هَذَا الْبَيْتَ أَحسنوا البِنا، فَقَالَ: أَي بُنا أَحسنوا البُنَا، أَراد بالأَول أَي بُنَيّ. والابنُ: الْوَلَدُ، وَلَامُهُ فِي الأَصل مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كأَنه مِنْ هَذَا. وَقَالَ فِي مُعْتَلِّ الْيَاءِ: الابْنُ الْوَلَدُ، فَعَلٌ مَحْذُوفَةُ اللَّامِ مُجْتَلَبٌ لَهَا أَلف الْوَصْلِ، قَالَ: وَإِنَّمَا قَضَى أَنه مِنَ الْيَاءِ لأَن بَنَى يَبْنِي أَكثر فِي كَلَامِهِمْ مَنْ يَبْنُو، وَالْجَمْعُ أَبْنَاء. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: أَبْنَاءُ أَبْنَائِهِم. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والأُنثى ابْنَة وبِنْتٌ؛ الأَخيرة عَلَى غَيْرِ بِنَاءِ مُذَكَّرِهَا، ولامِ بِنْت وَاوٌ، وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنْهَا؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ؛ أَصله بِنْوَة وَوَزْنُهَا فعلٌ، فأُلحقتها التاءُ الْمُبْدَلَةُ مِنْ لَامِهَا بِوَزْنِ حِلْسٍ فَقَالُوا بِنْتٌ، وَلَيْسَتِ التَّاءُ فِيهَا بِعَلَامَةِ تأَنيث كَمَا ظَنَّ مَنْ لَا خِبْرَة لَهُ بِهَذَا اللِّسَانِ، وَذَلِكَ لِسُكُونِ مَا قَبْلَهَا، هَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ مَا لَا يَنْصَرِفُ فَقَالَ: لَوْ سَمَّيْتَ بِهَا رَجُلًا لَصَرَفْتَهَا مَعْرِفَةً، وَلَوْ كَانَتْ للتأْنيث لَمَا انْصَرَفَ الِاسْمُ، عَلَى أَن سِيبَوَيْهِ قَدْ تسمَّح فِي بَعْضِ أَلفاظه فِي الْكِتَابِ فَقَالَ فِي بِنْت: هِيَ عَلَامَةُ تأْنيث، وَإِنَّمَا ذَلِكَ تَجَوُّزٌ مِنْهُ فِي اللَّفْظِ لأَنه أَرسله غُفْلًا، وَقَدْ قَيَّدَهُ وَعَلَّلَهُ فِي بَابِ مَا لَا يَنْصَرِفُ، والأَخذ بِقَوْلِهِ المُعَلَّل أَقوى مِنَ الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ المُغْفَل المُرْسَل، ووَجهُ تجوُّزه أَنه لَمَّا كَانَتِ التَّاءُ لَا تُبْدَلُ مِنَ الْوَاوِ فِيهَا إِلَّا مَعَ الْمُؤَنَّثِ صَارَتْ كأَنها عَلَامَةُ تأْنيث، قَالَ: وأَعني بِالصِّيغَةِ فِيهَا بِنَاءَهَا عَلَى فِعْل وأَصلها فَعَلٌ بِدَلَالَةِ تَكْسِيرِهِمْ إِيَّاهَا عَلَى أَفعال، وإبدالُ الْوَاوِ فِيهَا لازمٌ لأَنه عَمَلٌ اخْتَصَّ بِهِ الْمُؤَنَّثُ، وَيَدُلُّ أَيضاً عَلَى ذَلِكَ إِقَامَتُهُمْ إِيَّاهُ مَقَامَ الْعَلَامَةِ الصَّرِيحَةِ وتعاقُبُها فِيهَا عَلَى الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ، وَذَلِكَ نَحْوُ ابْنَةٍ وبِنْتٍ، فَالصِّيغَةُ فِي بِنْتٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْهَاءِ فِي ابنةٍ، فَكَمَا أَن الْهَاءَ عَلَامَةُ تأْنيث فَكَذَلِكَ صِيغَةُ بنتٍ عَلَامَةُ تأْنيثها، وَلَيْسَتْ بِنْتٌ مِنِ ابْنَةٍ كصَعب مِنْ صَعْبة، إِنَّمَا نظيرُ صَعْبَةٍ مِنْ صَعُبَ ابنَةٌ مِنِ ابْنٍ، وَلَا دَلَالَةَ لَكَ فِي البُنُوَّة عَلَى أَن الذَّاهِبَ مِنْ بِنْت وَاوٌ، لَكِنَّ إِبْدَالَ التَّاءِ مِنْ حَرْفِ الْعِلَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنه مِنَ الْوَاوِ، لأَن إِبْدَالَ التَّاءِ مِنَ الْوَاوِ أَضعف مِنْ إِبْدَالِهَا مِنَ الْيَاءِ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: قَالَ سِيبَوَيْهِ وأَلحقوا ابْناً الْهَاءَ فَقَالُوا ابْنَة، قَالَ: وأَما بِنْتٌ فَلَيْسَ عَلَى ابْنٍ، وَإِنَّمَا هِيَ صِيغَةٌ عَلَى حِدَةٍ، أَلحقوها الْيَاءَ للإِلحاق ثُمَّ أَبدلوا التَّاءَ مِنْهَا، وَقِيلَ: إِنَّهَا مُبدلة مِنْ وَاوٍ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَإِنَّمَا بِنْتٌ كعِدْل، وَالنِّسَبُ إِلَى بِنْت بَنَوِيٌّ، وَقَالَ يُونُسُ: بِنْتِيٌّ وأُخْتِيٌّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ مَرْدُودٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهَ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الْعَرَبُ تَقُولُ هَذِهِ بِنْت فُلَانٍ وَهَذِهِ ابْنَةُ فُلَانٍ، بِتَاءٍ ثَابِتَةٍ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصْلِ، وَهُمَا لُغَتَانِ جَيِّدَتَانِ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ إِبْنَةٌ فَهُوَ خطأٌ وَلَحْنٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَا تَقُلِ إِبْنَة لأَن الأَلف
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute