وإِن كَانَ ذَلِكَ جَارِيًا مَجْرى الْفَاعِلِ وَقَائِمًا مَقَامَهُ؛ وَذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِ جَمِيلٍ:
جَزِعْتُ حِذارَ البَيْنِ، يَوْمَ تَحَمَّلُوا، ... وحُقَّ لِمِثْلي، يَا بُثَيْنَةُ، يَجْزَعُ
أَراد أَن يَجْزَع، عَلَى أَن هَذَا قَلِيلٌ شَاذٌّ، عَلَى أَنّ حَذْفَ أَنْ قَدْ كثُر فِي الْكَلَامِ حَتَّى صَارَ كِلَا حَذْفٍ، أَلا تَرَى أَن جَمَاعَةً استَخَفّوا نَصْبَ أَعْبُدَ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ اسمُه: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ؟ فَلَوْلَا أَنهم أَنِسُوا بحَذْفِ أَنْ مِنَ الْكَلَامِ وإِرادَتِها لَمَا اسْتَخَفُّوا انْتِصاب أَعْبُدَ. ودَنَت الشمسُ للغُروبِ وأَدْنَت، وأَدْنَت النَّاقَةُ إِذا دَنا نِتاجُها. والدُّنْيا: نَقِيضُ الْآخِرَةِ، انْقَلَبت الْوَاوُ فِيهَا يَاءً لأَن فُعْلى إِذا كَانَتِ اسْمًا مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ أُبدلت واوُها يَاءً، كَمَا أُبدلت الْوَاوُ مَكَانَ الْيَاءِ فِي فَعْلى، فأَدخَلوها عَلَيْهَا فِي فُعْلى ليَتكافآ فِي التَّغْيِيرِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَزِدْتُهُ أَنا بَيَانًا. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: مَا لَهُ دُنْياً وَلَا آخِرةٌ، فنَوّن دُنْياً تَشْبِيهًا لَهَا بفُعْلَلٍ، قَالَ: والأَصل أَن لَا تُصْرَفَ لأَنها فُعْلى، وَالْجَمْعُ دُناً مِثْلُ الكُبْرى والكُبَر والصُّغْرى والصُّغَر، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والأَصل دُنَوٌ، فَحُذِفَتِ الْوَاوُ لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ أَلفاً لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، ثُمَّ حُذِفَتِ الأَلف لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَهُمَا الأَلف وَالتَّنْوِينُ. وَفِي حَدِيثِ الْحَجِّ:
الجَمْرة الدُّنْيا
أَي القَرِيبة إِلى مِنىً، وَهِيَ فُعْلى مِنَ الدُّنُوِّ. والدُّنْيا أَيضاً: اسمٌ لِهَذِهِ الحَياةِ لبُعْدِ الْآخِرَةِ عَنْها، وَالسَّمَاءُ الدُّنْيا لقُرْبها مِنْ ساكِني الأَرْضِ. وَيُقَالُ: سماءُ الدُّنْيا، عَلَى الإِضافة. وَفِي حَدِيثِ حَبْسِ الشمسِ:
فادَّنَى بالقَرْيَةِ
؛ هَكَذَا جَاءَ فِي مُسْلِمٍ، وَهُوَ افْتَعَلَ مِنَ الدُّنُوِّ، وأَصلُه ادْتَنى فأُدْغِمَتِ التاءُ فِي الدالِ. وَقَالُوا: هُوَ ابْنُ عَمّي دِنْيَةً، ودِنْياً، منوَّنٌ، ودِنْيَا، غَيْرُ مُنَوَّنٍ، ودُنْيَا، مَقْصُورٌ إِذا كَانَ ابنَ عَمِّه لَحّاً؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَتُقَالُ هَذِهِ الْحُرُوفُ أَيضاً فِي ابنِ الخالِ والخالَةِ، وَتُقَالُ فِي ابْنِ العَمَّة أَيضاً. قَالَ: وَقَالَ أَبو صَفْوانَ هُوَ ابنُ أَخِيه وأُخْتِه دِنْيَا، مِثْلَ مَا قِيلَ فِي ابنِ العَمِّ وابنِ الخالِ، وإِنما انْقَلَبت الْوَاوُ فِي دِنْيةً ودِنْياً يَاءً لمجاورةِ الكسرةِ وضعفِ الحاجِزِ، ونَظِيرُهُ فِتْيةٌ وعِلْيَةٌ، وكأَنَّ أَصلَ ذَلِكَ كلِّه دُنْيا أَي رَحِماً أَدْنى إِليَّ مِنْ غَيْرِهَا، وإِنما قَلَبوا ليَدُلّ ذَلِكَ عَلَى أَنه ياءُ تأْنيثِ الأَدْنى، ودِنْيَا دَاخِلَةٌ عَلَيْهَا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ ابْنُ عَمٍّ دِنْيٍ ودُنْيَا ودِنْيا ودِنْية. التَّهْذِيبُ: قَالَ أَبو بَكْرٍ هُوَ ابْنُ عمٍّ دِنْيٍ ودِنْيَةٍ ودِنْيَا ودُنْيَا، وإِذا قُلْتَ دُنْيَا، إِذا ضَمَمْت الدَّالَ لَم يَجُز الإِجْراءُ، وإِذا كسرتَ الدالَ جازَ الإِجْراءُ وتَرك الإِجْراء، فإِذا أَضفت العمَّ إِلى مَعْرِفَةٍ لَمْ يَجُزِ الْخَفْضُ فِي دِنْيٍ، كَقَوْلِكَ: ابْنُ عَمِّكَ دِنْيٌ ودِنْيَةٌ وَابْنُ عَمِّكَ دِنْياً لأَن دِنْياً نَكِرَةٌ وَلَا يَكُونُ نَعْتًا لِمَعْرِفَةٍ. ابْنُ الأَعرابي: والدُّنا مَا قرُبَ مِنْ خَيْرٍ أَو شَرٍّ. وَيُقَالُ: دَنا وأَدْنى ودَنَّى إِذا قَرُبَ، قَالَ: وأَدْنَى إِذا عاشَ عَيْشاً ضَيِّقاً بَعْدَ سَعَةٍ. والأَدْنَى: السَّفِلُ. أَبو زَيْدٍ: مِنْ أَمثالهم كلُّ دَنِيٍّ دُونَه دَنِيٌّ، يَقُولُ: كلُّ قريبٍ وكلُّ خُلْصانٍ دُونَه خُلْصانٌ. الْجَوْهَرِيُّ: والدَّنِيُّ القَريب، غيرُ مهموزٍ. وَقَوْلُهُمْ: لَقِيتُهُ أَدْنَى دَنيٍّ أَي أَوَّلَ شَيْءٍ، وأَما الدنيءُ بِمَعْنَى الدُّونِ فَمَهْمُوزٌ. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْهَرَوِيُّ الدَّنيُّ الخَسِيسُ، بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى
؛ أَي الَّذِي هُوَ أَخَسُّ، قَالَ: ويقوِّي قَوْلَهُ كونُ فِعْلِهِ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَهُوَ دَنِيَ يَدْنَى دَناً ودَنايَةً، فَهُوَ دَنِيٌّ. الأَزهري فِي قَوْلِهِ: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى
؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute