وَقَالَ أَبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ: الإِقْواء اخْتِلَافُ إِعراب القَوافي؛ وَكَانَ يَرْوِي بَيْتَ الأَعشى:
مَا بالُها بِاللَّيْلِ زالَ زَوالُها
بِالرَّفْعِ، وَيَقُولُ: هَذَا إِقْواء، قَالَ: وَهُوَ عِنْدَ النَّاسِ الإِكفاء، وَهُوَ اخْتِلَافُ إِعراب القَوافي، وَقَدْ أَقْوَى الشَّاعِرُ إِقْوَاء، ابْنُ سِيدَهْ: أَقْوَى فِي الشِّعْرِ خالفَ بَيْنَ قَوافِيه، قَالَ: هَذَا قَوْلُ أَهل اللُّغَةِ. وَقَالَ الأَخفش: الإِقْوَاء رَفْعُ بَيْتٍ وَجَرُّ آخَرَ نَحْوَ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
لَا بَأْسَ بالقَوْمِ مِنْ طُولٍ وَمِنْ عِظَمٍ، ... جِسْمُ البِغال وأَحْلامُ العَصافيرِ
ثُمَّ قَالَ:
كأَنهم قَصَبٌ، جُوفٌ أَسافِلُه، ... مُثَقَّبٌ نَفَخَتْ فِيهِ الأَعاصيرُ
قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُ هَذَا مِنَ الْعَرَبِ كَثِيرًا لَا أُحصي، وقَلَّت قَصِيدَةٌ يُنْشِدُونَهَا إِلا وَفِيهَا إِقْواء ثُمَّ لَا يستنكِرونه لأَنه لَا يَكْسِرُ الشِّعْرَ، وأَيضاً فإِن كُلَّ بَيْتٍ مِنْهَا كأَنه شِعْرٌ عَلَى حِياله. قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَما سَمْعُه الإِقواء عَنِ الْعَرَبِ فَبِحَيْثُ لَا يُرتاب بِهِ لَكِنَّ ذَلِكَ فِي اجْتِمَاعِ الرَّفْعِ مَعَ الْجَرِّ، فأَما مُخَالَطَةُ النَّصْبِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَلِيلٌ، وَذَلِكَ لِمُفَارَقَةِ الأَلف الْيَاءَ وَالْوَاوَ وَمُشَابَهَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جَمِيعًا أُختها؛ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الحرث بْنِ حِلِّزَةَ:
فَمَلَكْنا بِذَلِكَ الناسَ، حَتَّى ... مَلَكَ المُنْذِرُ بنُ ماءِ السَّماء
مَعَ قَوْلِهِ:
آذَنَتْنا بِبَيْنِها أَسْماءُ، ... رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِنْه الثَّواءُ
وَقَالَ آخَرُ أَنشده أَبو عَلِيٍّ:
رَأَيْتُكِ لَا تُغْنِينَ عَنِّى نَقْرَةً، ... إِذا اخْتَلَفَت فيَّ الهَراوَى الدَّمامِكْ
وَيُرْوَى: الدَّمالِكُ.
فأَشْهَدُ لَا آتِيكِ مَا دامَ تَنْضُبٌ ... بأَرْضِكِ، أَو صُلْبُ العَصا مِن رِجالِكِ
وَمَعْنَى هَذَا أَن رَجُلًا وَاعَدَتْهُ امرأَة فعَثر عَلَيْهَا أَهلُها فَضَرَبُوهُ بالعِصِيّ فَقَالَ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ، فأَما دُخُولُ النَّصْبِ مَعَ أَحدهما فَقَلِيلٌ؛ مِنْ ذَلِكَ مَا أَنشده أَبو عَلِيٍّ:
فَيَحْيَى كَانَ أَحْسَنَ مِنْكَ وَجْهاً، ... وأَحْسَنَ في المُعَصْفَرَةِ ارْتِداآ
ثُمَّ قَالَ:
وَفِي قَلْبي عَلَى يَحْيَى البَلاء
قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَقَالَ أَعرابي لأَمدحنّ فُلَانًا ولأَهجونه وليُعْطِيَنِّي، فَقَالَ:
يَا أَمْرَسَ الناسِ إِذا مَرَّسْتَه، ... وأَضْرَسَ الناسِ إِذا ضَرَّسْتَه «١»
وأَفْقَسَ الناسِ إِذا فَقَّسْتَه، ... كالهِنْدُوَانِيِّ إِذا شَمَّسْتَه
وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي رَبِيعَةَ لِرَجُلٍ وَهَبَهُ شَاةً جَماداً:
أَلم تَرَني رَدَدْت عَلَى ابْنِ بَكْرٍ ... مَنِيحَتَه فَعَجَّلت الأَداآ
فقلتُ لِشاتِه لمَّا أَتَتْني: ... رَماكِ اللهُ مِنْ شاةٍ بداءِ
وَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ المِنهال الغَنَوِيّ فِي شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيِّ:
لَيتَ أَبا شَرِيكٍ كَانَ حَيّاً، ... فَيُقْصِرَ حِينَ يُبْصِرُه شَرِيكُ
(١). قوله [يا أمرس الناس إلخ] كذا بالأصل.