للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِعَبْدِ الْمَسِيحِ بْنِ عَسَلَةَ قَالَ:

باكَرْتُه، قَبْلَ أَن تَلْغَى عَصافِرُه، ... مُسْتَحْفِياً صَاحِبِي وَغَيْرُهُ الْحَافِي «١»

قَالَ: هَكَذَا رُوِيَ تَلْغَى عَصافِرُه، قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن فِعْلَهُ لَغِيَ، إِلا أَن يُقَالَ إِنه فُتح لِحَرْفِ الْحَلْقِ فَيَكُونُ مَاضِيهِ لَغا وَمُضَارِعُهُ يَلْغُو ويَلْغَى، قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مثل اللَّغْو واللَّغَى إِلا قَوْلَهُمُ الأَسْوُ والأَسا، أَسَوْتُه أَسْواً وأَساً أَصلحته. واللَّغْو: مَا لَا يُعْتَدّ بِهِ لِقِلَّتِهِ أَو لِخُرُوجِهِ عَلَى غَيْرِ جِهَةِ الِاعْتِمَادِ مِنْ فَاعِلَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ*

؛ وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ لَغْوِ الْيَمِينِ، وَهُوَ أَن يقولَ لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ وَلَا يَعْقِد عَلَيْهِ قَلْبه، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي يَحْلِفُهَا الإِنسان سَاهِيًا أَو نَاسِيًا، وَقِيلَ: هُوَ الْيَمِينُ فِي الْمَعْصِيَةِ، وَقِيلَ: فِي الْغَضَبِ، وَقِيلَ: فِي المِراء، وَقِيلَ: فِي الهَزْل، وَقِيلَ: اللَّغْو سُقوط الإِثم عَنِ الْحَالِفِ إِذا كفَّر يَمِينَهُ يُقَالُ: لَغا إِذا تَكَلَّمَ بالمُطَّرَحِ مِنَ الْقَوْلِ وَمَا لَا يَعْني، وأَلغى إِذا أَسقط. وَفِي الْحَدِيثِ:

والحَمُولةُ المائرةُ لَهُمْ لاغيةٌ

أَي مُلغاة لَا تُعَدُّ عَلَيْهِمْ وَلَا يُلْزَمُون لَهَا صَدَقَةً، فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مُفَعْوِلَةٍ، والمائرةُ مِنَ الإِبل الَّتِي تَحمِل المِيرة. واللَّاغِيةُ: اللَّغْو. وَفِي حَدِيثِ

سَلْمَانَ: إِيّاكُم ومَلْغاةَ أَوَّلِ الليلِ

، يُرِيدُ بِهِ اللَّغْوَ؛ المَلْغاة: مَفْعلة مِن اللَّغْو وَالْبَاطِلِ، يُرِيدُ السَّهَر فِيهِ فإِنه يَمْنَعُ مِنْ قِيام اللَّيْلِ. وَكَلِمَةٌ لاغِيةٌ: فَاحِشَةٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لَا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً

؛ هُوَ عَلَى النَّسَبِ أَي كَلِمَةً ذَاتَ لَغْو، وَقِيلَ أَي كَلِمَةً قَبِيحَةً أَو فَاحِشَةً، وَقَالَ قَتَادَةُ أَي بَاطِلًا ومَأْثماً، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: شَتْماً، وَهُوَ مِثْلُ تامِر ولابِن لِصَاحِبِ التَّمْرِ وَاللَّبَنِ، وَقَالَ غَيْرُهُمَا: اللَّاغِية واللَّواغِي بِمَعْنَى اللَّغْوِ مِثْلَ راغِيةِ الإِبل ورَواغِيها بِمَعْنَى رُغائها، ونُباحُ الْكَلْبِ «٢» لَغْوٌ أَيضاً؛ وَقَالَ:

وقُلنْا لِلدَّلِيلِ: أَقِمْ إِليهِمْ، ... فَلَا تُلْغَى لِغَيْرِهِمِ كلابُ

أَي لَا تُقْتَنَى كِلَابُ غَيْرِهِمْ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَفِي الأَفعال:

فَلا تَلْغَى بِغَيرِهِم الرِّكابُ

أَتَى بِهِ شَاهِدًا عَلَى لَغِيَ بِالشَّيْءِ أُولِع بِهِ. واللَّغَا: الصَّوْتُ مِثْلَ الوَغَى. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ

، قَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: إِذا تَلا مُحَمَّدٌ الْقُرْآنَ فالغَوْا فِيهِ أَي الغطُوا فِيهِ، يُبَدَّل أَو يَنسى فَتَغْلِبوه. قَالَ الْكِسَائِيُّ: لَغا فِي الْقَوْلِ يَلْغَى، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ يَلْغُو، ولَغِيَ يَلغَى، لُغةٌ، ولَغا يَلْغُو لَغْواً: تَكَلَّمَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَن قَالَ يَوْمَ الجُمعة والإِمامُ يَخْطُبُ لِصَاحِبِهِ صَهْ فَقَدْ لَغا

أَي تَكلَّم، وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: فَقَدْ لَغَا أَي فَقَدْ خابَ. وأَلغَيْتُه أَي خَيَّبْتُه. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَن مَسَّ الحَصى فَقَدْ لَغا

أَي تَكَلَّمَ، وَقِيلَ: عَدَلَ عَنِ الصَّوَابِ، وَقِيلَ: خابَ، والأَصل الأَوَّل. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ

؛ أَي مَرُّوا بِالْبَاطِلِ. وَيُقَالُ: أَلْغَيْت هَذِهِ الْكَلِمَةَ أَي رأَيتها بَاطِلًا أَو فَضْلًا، وَكَذَلِكَ مَا يُلْغَى مِنَ الحِساب. وأَلغَيْتُ الشَّيْءَ: أَبطلته. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يُلْغِي طَلاقَ المُكْرَه أَي يُبْطِله. وأَلغاه مِنَ الْعَدَدِ: أَلقاه مِنْهُ. واللُّغَة: اللِّسْنُ، وحَدُّها أَنها أَصوات يُعبِّر بها كل


(١). قوله [مستحفياً إلخ] كذا بالأصل ولعله مستخفياً، والخافي، بالخاء المعجمة فيهما أو بالجيم فيهما.
(٢). قوله [ونباح الكلب إلى قوله قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ] هَذَا لفظ الجوهري، وقال في التكملة: واستشهاده بالبيت على نباح الكلب باطل، وذلك أن كلاباً في البيت هو كلاب بن ربيعة لا جمع كلب، والرواية تَلْغَى بفتح التاء بمعنى تولع.

<<  <  ج: ص:  >  >>