للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شَبَّهَ» بِنَاقَةٍ قَدْ شَمَذَتْ بذَنَبها أَي رَفَعَتْهُ، والصِّرْف: صِبْغٌ أَحمر، والطُّلَّاء: الدَّمُ. والامْتِرَاءُ فِي الشيءِ: الشَّكُّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ التَّماري. والمِراءُ: المُماراةُ والجدَل، والمِراءُ أَيضاً: مِنَ الامْتِراءِ والشكِّ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً

؛ قَالَ: وأَصله فِي اللُّغَةِ الجِدال وأَن يَستخرج الرجلُ مِنْ مُناظره كَلَامًا وَمَعَانِي الْخُصُومَةِ وَغَيْرِهَا منْ مَرَيْتُ الشاةَ إِذا حَلَبْتَهَا وَاسْتَخْرَجْتَ لَبَنَهَا، وَقَدْ مَارَاهُ مُمَاراةً ومِيراءً. وامْتَرَى فِيهِ وتَمَارَى: شَكَّ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَهَذَا مِنَ الأَفعال الَّتِي تَكُونُ لِلْوَاحِدِ. وَقَوْلُهُ فِي

صِفَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُشاري وَلَا يُمَارِي

؛ يُشاري: يَسْتَشْري بِالشَّرِّ، وَلَا يُمَارِي: لَا يُدافع عَنِ الْحَقِّ وَلَا يُرَدِّدُ الْكَلَامَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى

، وقرئَ:

أَفتَمْرُونَه عَلَى مَا يَرَى

؛ فَمَنْ قرأَ أَفَتُمارُونَهُ

فَمَعْنَاهُ أَفتجادلونه فِي أَنه رأَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِقَلْبِهِ وأَنه رأَى الكُبْرى مِنْ آيَاتِهِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهِيَ قِرَاءَةُ الْعَوَّامِ، وَمَنْ قرأَ

أَفتَمرونه

فَمَعْنَاهُ أَفتجحدونه، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ فِي قَوْلِهِ

أَفَتَمْرُونه عَلَى مَا يَرَى

أَي تَدْفَعُونَهُ عَمَّا يَرَى، قَالَ: وَعَلَى فِي مَوْضِعِ عَنْ. ومارَيْتُ الرجلَ ومارَرْتُه إِذا خَالَفْتَهُ وتَلَوَّيْتَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مأْخوذ مِنْ مِرار الفَتْل ومِرارِ السِّلسِلة تَلَوِّي حَلَقِها إِذا جُرَّتْ عَلَى الصَّفا. وَفِي الْحَدِيثِ:

سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةَ مثلَ مِرار السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا.

وَفِي حَدِيثِ

الأَسود «٣»: أَنه سأَل عَنْ رَجُلٍ فَقَالَ مَا فَعَلَ الَّذِي كَانَتِ امرأَتُه تُشارُّه وتُماريه؟

وَرُوِيَ عَنِ

النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: لَا تُماروا فِي الْقُرْآنِ فإِنَّ مِراءً فِيهِ كُفْرٌ

؛ المِراءُ: الْجِدَالُ. والتَّماري والمُمَارَاة: الْمُجَادَلَةُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّكِّ والرِّيبة، وَيُقَالُ لِلْمُنَاظَرَةِ مُمَارَاة لأَن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَخْرِجُ مَا عِنْدَ صَاحِبِهِ ويَمْتَريه به كَمَا يَمْتري الحالبُ اللبنَ مِنَ الضَّرْع؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: لَيْسَ وَجْهُ الْحَدِيثِ عِنْدَنَا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي التأْويل، وَلَكِنَّهُ عِنْدَنَا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي اللَّفْظِ، وَهُوَ أَن يقرأَ الرَّجُلُ عَلَى حَرْفٍ فَيَقُولَ لَهُ الْآخَرُ لَيْسَ هُوَ هَكَذَا وَلَكِنَّهُ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَدْ أَنزلهما اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كِلَيْهِمَا، وَكِلَاهُمَا مُنَزَّلٌ مقروءٌ بِهِ، يُعلم ذَلِكَ بِحَدِيثِ سَيِّدِنَا

رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحرف

، فإِذا جَحَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قراءَة صَاحِبِهِ لَمْ يُؤْمَنْ أَن يَكونَ ذَلِكَ قَدْ أَخْرَجه إِلى الكُفر لأَنه نَفى حَرفاً أَنزله اللَّهُ عَلَى نَبِيَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَالتَّنْكِيرُ فِي المِراء إِيذاناً بأَن شَيْئًا مِنْهُ كُفْرٌ فَضلًا عمَّا زَادَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَقِيلَ إِنما جَاءَ هَذَا فِي الجِدال والمِراء فِي الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ القَدَر وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَعَانِي، عَلَى مَذْهَبِ أَهل الْكَلَامِ وأَصحاب الأَهْواءِ والآراءِ، دُونَ مَا تَضمَّنته مِنَ الأَحكام وأَبواب الحَلال وَالْحَرَامِ، فإِن ذَلِكَ قَدْ جَرى بَيْنَ الصَّحَابَةِ فمَن بَعْدَهُمْ مِن الْعُلَمَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجمعين، وَذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ الغَرَضُ مِنْهُ والباعِثُ عَلَيْهِ ظُهورَ الْحَقِّ ليُتَّبَع دُونَ الغَلَبة والتَّعْجِيز. اللَّيْثُ: المِرْيةُ الشَّكُّ، وَمِنْهُ الامْتراء والتَّماري فِي القُرآن، يُقَالُ: تَمارى يَتَمارى تَمارِياً، وامْتَرَى امْتِراءً إِذا شكَّ. وَقَالَ الفراءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى

؛ يَقُولُ: بأَيِّ نِعْمةِ رَبِّك تُكَذِّبُ أَنها لَيْسَتْ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ

؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْمَعْنَى أَيها الإِنسان بأَيِّ نِعْمَةِ رَبِّكَ الَّتِي تَدُلُّكَ عَلَى أَنه واحد تتشكك.


(٢). قوله [شبه] أي الشاعر الحرباء بناقة إلخ كما يؤخذ من مادة ش م ذ.
(٣). قوله [وفي حديث الأسود] كذا في الأصل، ولم نجده إلا في مادة مرر من النهاية بلفظ تمارّه وتشارّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>