للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمِنْهُ قِصَّةُ ذاتِ النِّحْيَيْنِ المَثَلِ الْمَشْهُورِ: أَشْغَلُ مِن ذاتِ النِّحْيَيْن؛ وَهِيَ امرأَة مِنْ تَيْمِ اللَّهِ بْنُ ثعْلَبةَ وَكَانَتْ تَبِيع السَّمْنَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فأَتى خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْر الأَنصاري يَبتاع مِنْهَا سَمناً فساوَمَها، فحلَّت نِحْياً مَمْلُوءاً، فَقَالَ: أَمْسِكِيه حَتَّى أَنظر غَيْرَهُ، ثُمَّ حلَّ آخَرَ وَقَالَ لَهَا: أَمسكيه، فَلَمَّا شَغل يَدَيْهَا ساوَرَها حَتَّى قَضى مَا أَراد وهرَب فَقَالَ فِي ذَلِكَ:

وذاتِ عِيالٍ، واثقِينَ بِعَقْلِها، ... خَلَجْتُ لَهَا جارَ اسْتِها خَلَجاتِ

وشَدَّتْ يَدَيْها، إِذْ أَرَدْتُ خِلاطَها، ... بنِحْيَيْنِ مِن سَمْنٍ ذَوَي عُجَراتِ

فكانتْ لَهَا الوَيْلاتُ مِنْ تَرْكِ سَمْنِها، ... ورَجْعَتِها صِفْراً بِغَيْرِ بتاتِ

فشَدَّتْ عَلَى النِّحْيَيْنِ كَفّاً شَحِيحةً ... عَلَى سَمْنِها، والفَتْكُ مِن فَعَلاتي

قَالَ

ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الصَّحِيحُ فِي رِوَايَةِ خَوَّات بْنِ جُبَيْر:

فشدَّت عَلَى النِّحْيَيْنِ كَفَّيْ شَحيحةٍ

تَثْنِيَةُ كَفٍّ، ثُمَّ أَسْلم خَوَّاتٌ وَشَهِدَ بَدْرًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ شِرادُك؟ وتَبَسَّمَ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَزَقَ اللَّهُ خَيْرًا وأَعوذ بِاللَّهِ مِنَ الحَوْرِ بَعدَ الكَوْرِ

وهَجا العُدَيلُ بْنُ الفَرْخِ بَنِي تَيمِ اللهِ فَقَالَ:

تَزَحْزَحْ، يَا ابنَ تَيْمِ اللهِ، عَنَّا ... فَما بَكْرٌ أَبُوكَ، وَلَا تَمِيمُ

لكُلِّ قَبِيلةٍ بَدرٌ ونجْمٌ، ... وتَيْمُ اللَّهِ لَيْسَ لَهَا نُجُومُ

أُناسٌ رَبَّةُ النِّحْيَيْنِ مِنْهُمْ، ... فُعُدُّوها إِذَا عُدَّ الصَّمِيمُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ حَمْزَةَ الصَّحِيحُ أَنها امرأَة مِنْ هُذَيْلٍ، وَهِيَ خَوْلة أُم بِشْرِ بْنِ عَائِذٍ، وَيُحْكَى أَن أَسَدِيًّا وهُذَليًّا افْتَخَرَا وَرَضِيَا بإِنسان يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: يَا أَخا هُذَيْلٍ كَيْفَ تُفاخِرُون الْعَرَبَ وَفِيكُمْ خِلال ثَلَاثٌ: مِنْكُمْ دَلِيلُ الحَبَشة عَلَى الْكَعْبَةِ، وَمِنْكُمْ خَولةُ ذاتُ النِّحيين، وسأَلتم رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَن يُحلِّلَ لَكُمُ الزِّنَا؟ قَالَ: ويُقَوِّي قَوْلَ الْجَوْهَرِيِّ إِنَّهَا مِنْ تَيْمِ اللَّهِ مَا أَنشده فِي هِجَائِهِمْ:

أُناس رَبَّةُ النِّحْيَيْنِ مِنْهُمْ

وَجَمْعُ النِّحْي أَنْحَاء ونُحِيٌّ ونِحاء؛ عَنْ سِيبَوَيْهِ. والنِّحْي أَيضاً: جَرْةُ فَخّار يُجْعَلُ فِيهَا اللَّبَنُ ليُمخض. وَفِي التَّهْذِيبِ: يُجْعَلُ فِيهَا اللَّبَنُ المَمْخُوض. الأَزهري: الْعَرَبُ لَا تَعْرِفُ النِّحْيَ غَيْرَ الزَّقِّ، وَالَّذِي قَالَهُ اللَّيْثُ إِنَّهُ الجَرَّةُ يُمْخَض فِيهَا اللَّبَنُ غَيْرُ صَحِيحٍ. ونَحَى اللبنَ يَنْحِيهِ ويَنْحَاه: مَخَضه؛ وأَنشد:

فِي قَعْرِ نِحْيٍ أَستَثيرُ حُمَّهْ

والنِّحْيُ: ضَرْب مِنَ الرُّطَب؛ عَنْ كُرَاعٍ. ونَحَى الشيءَ يَنْحَاه نَحْياً ونَحَّاه فتَنَحَّى: أَزاله. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ نَحَّيْت فُلَانًا فتَنَحَّى، وَفِي لُغَةٍ: نَحَيْتُه وأَنا أَنْحَاه نَحْياً بِمَعْنَاهُ؛ وأَنشد:

أَلا أَيُّهذا الباخِعُ الوَجْدُ نفْسَه ... لِشيءٍ نَحَتْهُ، عَنْ يَدَيْهِ، المَقادِرُ

أَي باعَدَتْه. ونَحَّيْته عَنْ مَوْضِعِهِ تَنْحِيَةً فتَنَحَّى، وَقَالَ الْجَعْدِيُّ:

أُمِرَّ ونُحِّيَ عَنْ زَوْرِه، ... كتَنْحِيَةِ القَتَبِ المُجْلَبِ

وَيُقَالُ: فُلَانٌ نَحِيَّةُ القَوارِعِ إِذَا كَانَتِ الشَّدائد

<<  <  ج: ص:  >  >>